بينما مازال الصراع يحتدم بين الحزب الحاكم وقوى المعارضة من جهة وبينه وبين الحركات المتمردة من جهة أخرى، وفي ظل اشتغال الرأي العام من حين إلى آخر بمن يخلف رئيس الجمهورية على كرسي الرئاسة، وصولاً إلى حادثة عدوان اليرموك الاخيرة التي ادخلت البلاد في منعرج يصل للحد الذي تساءل فيه الرأي العام عما اذا كان السودان اصبح دولة المواجهة الثانية مع اسرائيل بعد ايران، في ظل هذا الاجواء الغائمة أعلن رئيس حزب منبر السلام العادل الطيب مصطفى إبان تلقيه تهانئ عيد الأضحى في المركز العام للحزب عن نوايا الحزب في خوض الانتخابات القادمة. والمتابع لمسيرة الحزب الذي لم يمض على تسجيله بمجلس الاحزاب سوى ثلاثة أعوام، يلحظ حراكاً كثيفاً للحزب على كل المستويات السياسية والاعلامية والاجتماعية، فالمنبر اجتهد في تنفيذ أنشطة سياسية كثيفة عبر المنتديات التي أقامها على مستوى العاصمة والولايات بمشاركة من الاحزاب الاخرى والخبراء والمفكرين، كما شكل حضوراً طاغياً في قضية استفتاء جنوب السودان الذي اقرته اتفاقية نيفاشا التي ظل ينتقدها الحزب في كثير من جوانبها طوال الفترة الانتقالية وبعد انتهاء فترتها التي خلفت الحرب مجدداً في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان، كما كان للحزب مواقفه القوية في مناهضة بعض الاتفاقيات التي عقدتها الحكومة مع دولة جنوب السودان التي على إثرها تم إلغاؤها، ومن ذلك اجهاض اتفاق الحريات الاربع الذي وقع في مطلع هذا العام، كما أسهم في كشط اتفاق «نافع عقار» في يوليو 2011م الذي نقضه الرئيس عمر البشير فور عودته من الصين آنذاك، وبالرغم من اتفاق المنبر مع الوطني في بعض الثوابت المشتركة إلا انه من اكثر الاحزاب التي تجاهر بانتقاد سياساته، وآخرها تضمين الحريات الاربع في اتفاق اديس ابابا في 27 سبتمبر، اضف لذلك فإن المنبر من المؤسسين لجبهة الدستور الاسلامي التي يتولى فيها مسؤولية الامانة العامة، واعلامياً يعتبر نجاح الحزب عبر صحيفته «الإنتباهة» منقطع النظير، باستحقاقها المرتبة الأولى في التوزيع بفارق كبير بينها وبين الصحف، كما أن المنبر مضى على نهج لا يتوافر في الاحزاب الراهنة، سواء التاريخية او الحديثة منها، وهو تبني مشروع تقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين بمختلف الولايات في مجالات الصحة والتعليم، الأمر الذي التفتت اليه الصحافة المقروءة وتناولته إعلامياً. من اهم المميزات التي تعود للمنبر ثباته على مبادئه ومواقفه التي يعلنها في القضايا العامة، دون أن يميل لتكتيك المناورة وبالونات الاختبار باعتبارها أساليب معروفة في النشاط السياسي، الشيء الذي أقره المنتقدون لسياساته، ولعل توجهات المنبر الواضحة أوجدت له تأييداً في بعض قطاعات المؤتمر الوطني، بحيث تبدو تصريحات البعض منهم قريبة جداً من رؤى المنبر المعلنة، للحد الذي دفع البعض للقول إن نقض الرئيس لاتفاق «نافع/ عقار» كان بايعاز من المنبر والقيادات الموالية له في الوطني، كما لا يخفى نفوذ المنبر الملحوظ وسط أئمة المساجد والدعاة، بصورة جعلت بعض أعضاء وفد الحكومة لمفاوضات أديس يسعون للاجتماع بهم لتنويرهم بالاتفاق الأخير، دفعاً لمناهضتهم له عبر خطب الجمعة، كما حدث لاتفاقيات سابقة. ومن جانبها تشكو قيادات المنبر من عرقلة أنشطتها السياسية في الخرطوموالولايات، بعدم منحهم التصديق إلا في دور الحزب دون الاماكن العامة التي تتسع لاعداد اكبر من الجماهير، ومن تلازمة انقطاع التيار الكهربائي في أحيان اخرى، ولعل الحيثيات اعلاه تدفع للتساؤل عما اذا كان المنبر سيحتل موقع المنافس الرئيس للوطني؟ وعلى الفور وبثقة واضحة يرد رئيس الحزب المهندس الطيب مصطفى على استفسار الصحيفة بالقول: «مؤكد سنكون منافساً قوياً جداً»، ويفصل نائبه لشؤون الحزب التنظيمية وقيع الله حمودة شطة الأسباب بالإشارة لكونهم اكثر الاحزاب حراكاً في الساحة السياسية، والتراجع الذي تشهده الاحزاب الطائفية «الامة والاتحادي»، خاصة بعد الانشقاقات التي ضربتها، فضلاً عما سماه المرحلة الحرجة التي يمر بها الحزب الحاكم التي اوصلته لحافة الانهيار، بالاضافة لتوجه الحزب الذي يلبي أشواق أهل السودان في قضايا تطبيق الشريعة الاسلامية وانفاذ الدستور الاسلامي واعادة النظر في علاقات البلاد الخارجية، وفي المقابل يبدي عميد كلية الاقتصاد في جامعة بحري عمر عبد العزيز رؤية مغايرة، فهو وإن اقر للمنبر بوضوح الرؤية السياسية وتماسكها إلا انه استبعد أن يلعب دور المنافس الرئيس للوطني، فالمنافسة غير متكافئة لاعتبارات تتعلق بأن السلطة تضاعف من قوة الحزب الحاكم خاصة في السودان، فضلاً أن بنية المنبر التنظيمية حديثة، بجانب أنها التجربة الانتخابية الاولى للمنبر، مقاررنة بالوطني الاكثر تنظيماً على مستوى الاحزاب بالبلاد، ويستند الى الحركة الاسلامية التي تعتبر جزءاً منه، وعاد عبد العزيز ليشير ل «الإنتباهة» بأنه من الممكن للمنبر ان يشكل وجوداً في الانتخابات في حدود«20-15%»، وسيعد ذلك نجاحاً كبيراً للمنبر، يرتكز عليه في انتخابات 2017م، وبالرغم من إقراره بأن قدراتهم التمويلية ليست كبيرة، إلا ان وقيع الله قال إنهم سيجتهدون لتوفير التمويل اللازم للانتخابات، ودمغ الوطني بأنه شوَّه الحياة السياسية بالعطايا التي يبذلها في الانتخابات، وراهن على قيم الناس وأخلاقهم لايجاد البديل الذي يدفع البلاد الى بر الاصلاح السياسي المرجو، مؤكداً ان قدراتهم التنظيمية جيدة على مستوى العاصمة والولايات، كما يستندون إلى قاعدة جماهيرية عريضة، ومؤيدين من خارج عضوية الحزب. يذكر أن المنبر أحجم عن المشاركة في الانتخابات الماضية لصالح الوطني الذي كان يجابه شريك نيفاشا الحركة الشعبية، وبسؤال رئيس الحزب الطيب مصطفى عما اذا كانوا سيخوضون الانتخابات على كل المستويات ام لا اجاب بأن رأيه الشخصي هو المشاركة على كل المستويات، إلا أنه عاد ورهن الأمر لمؤسسات الحزب التي ستقرر في هذا الشأن في حينه. وعلى كل بين يدي ضبابية اعتماد البشير مرشحاً لدورة رئاسية جديدة أم لا، تبدو إجابة الباشمهندس كأنها تحوط لمآلات الأحداث المرتقبة، أو من يدري إن كان الرئيس وخاله سيتنازلان في معترك الانتخابات على مستوى الرئاسة ذات يوم ليس بعيداً.