من الندوات المهمة التي قدمتها الأربعائية، ندوة عن «قواعد التمكين قراءة في سيرة سيدنا يوسف عليه السلام» قدمها الشيخ ابراهيم طه أيوب، التمكين من خلال سورة الكهف التي ابتدرها بحديثه عن فضائل الله عز وجل ورحمته بعبده أن يسحب من العبد الأميّة في فهم النعم، فالأمة الإسلامية اليوم لها معرفة تقنية وتكنولوجية عالية، وعندما يتحدث الإنسان فإن من أبسط قواعد الالقاء احترام عقول المتلقين، هكذا يعلمنا القرآن الكريم، هذا الكتاب العظيم، ولكن للأسف الأمة ابتعدت عنه رويدا رويداً، لا أقول ابتعدت عن قراءته وتأويله، لكنها حرمت شيئاً مهماً وهو فهم المراد، فالتفسير ثلاثة مراتب، شرح المعنى والتأويل، والمراد وهو المرتبة الثالثة ولا يبلغها إلا مرحوم ولا يتركها إلا محروم، إن التأويل هو ان تنتقل من المعنى «Meaning» إلى المفهوم «Concept» وإذا جمعت بينهما فتح عليك في مرتبة المراد، وإذا علمت المراد فقد انتقلت من محراب الصلاة إلى محراب الحياة، وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يجلس مع الصحابة وكلهم فقهاء وعلماء، لكنه من بينهم فهم مراد الله في قوله تعالى «إذا جاء نصر الله والفتح»، فهم شيئاً بعيدًا فبكى لأنه انتقل من المعنى إلى المفهوم إلى مراد الله، إذن فإن الدين ليس هو محراب الصلاة فقط، فكل العبادات والشعائر وسائل لغاية كبرى، وبينك وبين ربك علاقة والحديث للشيخ أيوب والأحكام الشرعية هي التي تحقق استدامة هذه العلاقة، وعندما تذهب إلى العمرة مثلاً، فإن ذلك يعني أنك تعمر الود بينك وبين ربك، كما يقول الشيخ العز بن عبد السلام عليه رحمة الله.. فنحن نذهب لنؤدي الأحكام ناسين أن هذه العلاقة لو بذرت عند أولادنا لو علمناهم أن الدين علاقة، وأن الذنوب تهدم العلاقة والحسنات ترتفع بها، لعلموا الرابط بين الغاية والوسيلة، لكننا ننشغل بالوسائل دون الغاية العظمى مستدركاً بقوله إن هذا ما يحدث في الأمة التي افتقرت إلى فهم أن الدين علاقة. ثم انتقل بعد ذلك إلى موضوع التمكين للفرد والمجموعة والأمة، وقال إنه إن لم يمكّن لك في بيتك وفي أبنائك ستعيش في قلق دائم، إن لم يمكّن لك في وظيفتك ومع جيرانك وفي كل مناحي حياتك فستعيش في قلق ومصدراً له، وأكد أن قواعد التمكين مأخوذة من القرآن الكريم وسماها سداسية التمكين، وهي ست خطوات إذا تم اتباعها يمكن لك في أي ناحية من نواحي الحياة، وإذا سألتكم ماذا تسمون سورة يوسف إذا أردتم تسميتها بغير اسمها وصولاً للمراد؟ وهذا جائز من الناحية التأملية التدبرية، يمكن أن نسميها سورة التمكين. لا تقرأ سورة يوسف إلا وأنت تبحث عن قواعد التمكين، وهي قد وردت أكثر من خمس مرات، ولذلك استطعت أن أكوِّن منظومة من التمكين وجعلتها في شكل قواعد، أول نقطة عندما أخرج يوسف عليه السلام من البئر وأدخل القصر يأتي عزيز مصر ويأمر بأن يترك في قصره قال تعالى «كذلك مكّنا ليوسف»، والسبب في التمكين له هو القبول، والقبول لكل البشر على حد سواء، أول درجة في سلم التمكين أن تقبل بأي شكل من الأشكال، والله قد جعل لكل منّا مفتاحاً للقبول، قد يكون البيان أو التفكير السليم أو الهندام أو في أي شيء آخر المهم أن يوسف عليه السلام كتب له القبول عند عزيز مصر وزوجته، ولم يكن لديهم ولد، وكان يوسف ولدًا بسيطاً أسكب الله عليه شيئاً من وقار الطفولة والهيبة والجمال فقبل وأصبح هناك التمكين الأول. الخطوة الثانية من خطوات التمكين هي السمعة، سمعة الإنسان، لأن يوسف عندما بدأ يكبر تشكلت شخصيته وتعرّض لبعض الأحداث وبدأ الناس يصفونه ببعض الأوصاف التي تدلُّ على حسن سمعته، صارت له سمعة شخصية وهوية، صارت له علامة «Logo» «إنّا نراك من المحسنين» هذه الخطوة هي استثمار القبول وتحويله إلى سمعة. والسمعة عملية تراكمية من خلال التعامل مع الناس الذين حولك، فمن خلال تصرفاتك وخدماتك ومفاهيمك يصفك الناس بسماتك، وأتينا بهذا المفهوم لأن عزيز مصر عندما رأى تلك الرؤيا حاول تفسيرها فإذا بالسجين يطلب منه أن يستعين بيوسف فإذا به يطلب يوسف ويقول له «إنا نراك من المحسنين» السمعة هي التي جعلت العزيز يقرر«إئتوني به استخلصه لنفسي» فوصل إلى أماكن القرار، سمعته أوصلته إلى هذه المنطقة، لكن السمعة لوحدها غير كافية للتمكين، هناك الخطوة الثالثة وهي خطوة الفصاحة والبيان عما يدور في الخلد واقتناص الفرص، فعندما قال العزيز «إئتوني به استخلصه لنفسي» تكلّم يوسف بكلام بليغ محكم قال تعالى «فلما كلمه» قال العزيز «قال إنك اليوم لدينا مكين أمين» تمكين عجيب.. عندما بدأ يتكلم تكلّم بكلام بليغ فصيح واضح، وقد اتخذ العزيز القرار الفوري بسبب فصاحة يوسف وحسن منطقه، وهذا يوجب أن يكون جوابك واضحاً من غير تشويش أو لبس، الوضوح في الداخل، أما التمكين الرابع وهو الجاهزية، «قال اجعلني على خزائن الأرض» كم من الناس يصلون إلى مواطن القرار وهم لا يحملون مشروعات جاهزة؟ وهنا احترم من يكون جاهزًا عندما يصل إلى مواقع القرار، فالعلمانيون مثلاً عندما يصلون إلى مواطن القرار يحملون معهم الحلول لكل القضايا والمشكلات، بينما رأينا أن الإسلاميين يأتون إلى مواقع القرار وليست لهم مشروعات جاهزة يأتون ليعترضون فقط، يوسف كانت عنده الجاهزية رغم المصاعب التي مرّ بها كان لديه مشروع بداخله، لذلك جاء التمكين هذه المرة بشكل آخر قال تعالى «وكذلك مكّنا ليوسف في الأرض»، الجاهزية، نحن ليست لدينا ملفات جاهزة، حتى في بيوتنا وأبسط أحوالنا نحتاج إلى أن نكون جاهزين، فالأبوة ليست محصورة في الطعام والشراب والسكن، فمن منا خطط لكي يكون ابنه مشروعاً يدخل به الجنة؟ والفرص لا تأتي إلا للجاهزين وهذه حقيقة. والنقطة الخامسة، يوسف يعيش التمكين، وكل شيء تحت يده، لكنه في كل المراحل يشكر الله على استمرارية التمكين فهو بذلك يجود الشكر لله،«رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين» إن الذي ينسى الماضي لا يمكن أن يتذكر الحاضر، يوسف يتراجع إلى تلك النعم العميقة عندما كان الله ولياً له في تلك المراحل، القبول والسمعة والفصاحة، والجاهزية، ثم الشكر. ويقول الشيخ أيوب: قد يعتقد البعض أنها نقاط بسيطة يمكن تحقيقها بسهولة، لكن ليست هذه النقاط هي التي أدت إلى تمكين يوسف، إنما كيفية القفز من نقطة إلى أخرى، ففي الطريق من القبول إلى السمعة مر بعشرات المحن، وكثير من الناس يتساقطون في الفتن، إما بسبب النساء أو بأي أسباب أخرى. الرشاوى أو الأفكار الغريبة قد تودي بالسمعة، فالقضية ليست في النقاط الخمس، المسألة في تجويد القفز. هناك اختبارات، فالإنسان قد يأتيه القبول لكنه لا يجيد القفز منه قد تعتريه الفتن فتنتج عنها السمعة السيئة، القضية إذن في تجاوز الفتن والابتلاءات، والفصاحة والبيان لا يتكونا إلا من خلال المعارف العليا «علمناه من لدنا علماً» فقد كان يفسر الرؤيا، ويدعوهم إلى الله بنقاء، لا يتأتي البيان والفصاحة إلا من خلال الارتباط بالوحي ارتباطاً عميقاً في المراد، هذا ما حدث مع يوسف. واختتم الشيخ طه حديثه بقوله إن الكثيرين وقفوا في هذه المنطقة، صنعة العظماء هو الكلام، البيان والفصاحة، فهتلر قاد الناس بالإلقاء، ومن ثم الجاهزية وهنا الاختبار الصعب، ثم تجويد الشكر.. كم من الناس ينسون نعم الله وينشغلون عن ذكره فلا يمكن لهم في الأخير، هذه الخماسية ليست سهلة، ويجب أن تجعلها في كل حياتك، واسأل نفسك أين النقطة المصابة عندك؟ ابحث عن العطب، وطبقوا هذا القانون على الأمة، أين النقطة الركيكة؟ هل لها قبول في العالم؟ الإجابة لا، إذن هناك مشكلة يجب معالجتها.. الجانب الثاني السمعة، هل سمعة الأمة فيها مشكلة؟ نعم الإعلام العالمي يشير إلى ذلك، هل لدى الأمة الفصاحة والبيان؟ فرق بين خطاب أمتنا وخطاب العالم، لدينا جعجعة وإنشاء لا طائل من ورائهما، إذن لا يمكن لها، طبقوا هذه القواعد مع أولادكم وزوجاتكم وتبينوا مواطن الخلل، هل في القبول أم في السمعة أم في البيان والفصاحة أم في الجهوية وتجويد الشكر؟