السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بحوث: منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله
نشر في السودان الإسلامي يوم 09 - 11 - 2006

قد مضى زمان كانت الدعوة فيه قائمة على جهود فردية، واجتهادات شخصية، أثمرت خيراً أحياناً، وخلَّفت شروراً في أحيان أخرى، أقول: في زماننا هذا لا بد أن يتوفر على التخطيط للدعوة هيئات ورجال، وبحوث ودراسات؛ حتى ندرك من قبلنا ونصلح ما أفسد غيرنا، أما التخبط والارتجال والفوضى فلا تصلح لزمان قد صارت لغة الأرقام والإحصائيات هي المعول عليها في كل شيء، وأول خطوة في هذا الطريق أن يعرف الناس منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى، وبيان السبيل الموصلة إلى رضوانه، بذكره وشكره وحسن عبادته.
فإن الدعوة إلى الله تعالى هي مهمة الأنبياء ووظيفة المرسلين عليهم سلام الله أجمعين كما قال سبحانه )قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين([1] وهي عنوان خيرية هذه الأمة )ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون[2]( وبرهان ريادتها للأمم )كنتم خير أمة أخرجت للناس([3] وبها استوجبت الأجر على الله )والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المحسنين([4] ولو فرَّطت الأمة في واجب الدعوة والبلاغ فقد سقطت من عين الله تعالى، واستحقت مقته وعذابه، إذ ما شرع الله الجهاد بما فيه من ذهاب النفس والمال وحصول المكروه فيهما إلا قياماً بهذا الواجب )وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله([5] وحقٌ على الدولة المسلمة أن توفر للدعوة ما تحتاجه من طاقات بشرية وموارد مالية، وما يكفل لها ترقية الأداء وحسن العرض بأفضل الأساليب وأحدث التقنيات.
أولاً: في تعريف الدعوة
الدعوة إلى الله هي الدعوة للإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا، وطاعتهم فيما أمروا به وفيما نهوا عنه.
ثانياً: في منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى
يمكننا في سبيل بيان هذا المنهج أن نعرض لعناوين كبيرة، تحتها تفاصيل كثيرة، لو أحاط بها المرء علماً لاستطاع أن يتعرف على هذا المنهج النبوي والهدي الرباني، ومن ذلك:
1. الإخلاص الذي هو لب الدين وروحه ولحمته وسداه، ومتى ما فُقد فلا خير في علم ولا عمل، وحقيقة ذلك أن يريد بعمله وجه الله تعالى لا رياء ولا سمعة، )قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين $ وأمرت لأن أكون أول المسلمين $ قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم $ قل الله أعبد مخلصاً له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه([6]
2. الشعور بالعزة زاد مهم للداعية ويأتيه هذا من جهة أنه على خطا المرسلين، وأن مهمته هداية الناس ووقايتهم من حر النار وحفظ دينهم من الخلل، وفي القرآن نقرأ على لسان الخليل )يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سويا([7] وفي الحديث {تعلمون معشر قريش لقد جئتكم بالذبح}[8] وفي الحديث {يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين}[9]
3. العلم بما يدعو إليه )قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة([10] وفي الحديث عن رسول الله e {إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، وإنما بعثني معلِّماً ميسرا}[11] ويشمل ذلك الدأب في معرفة كل جديد، والاطلاع على فقه النوازل في القضايا الطبية والاقتصادية خاصة واستعمال الوسائط الحديثة في الدعوة
4. العمل بما يدعو إليه )يا أيها الذين آمنوا لم َتقولون ما لا تفعلون([12] وفي الحديث {إني لأخشاكم لله وأتقاكم له}[13] وفي الحديث {يؤتى بالرجل فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى}[14]
5. البداية بالأهم فالمهم من القضايا الدعوية )ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت([15] )وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون([16] وقال النبي e لمعاذ حين بعثه إلى اليمن {إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم}[17]
6. احتساب أجر الدعوة عند الله )قل ما أسألكم عليه من أجر([18] وفي الحديث {ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ثم لا تجدونني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً}[19]
7. الصبر على الأذى )يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر([20] وفي الحديث {كأني أنظر إلى رسول الله e يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه حتى أدموه! فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون}[21]
8. الحرص على هداية من يدعوه )عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم([22] وفي الحديث {اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب}[23] {اللهم اهد دوساً وائت بهم}[24] {اللهم اهد أم أبي هريرة}[25]
9. سعي الداعية إلى الاستفادة من غيره، كلٌ فيما يحسنه؛ وفي السنة نجد النبي e يستأجر في طريق الهجرة رجلاً من بني الديل هادياً خريتاً،[26] ويبعث عبد الله بن أبي حدرد عيناً[27]، ويقول لأبي بكر وعمر {لو اجتمعتما على رأي ما خالفتكما}[28]
10. استخدام كل وسيلة في بيان الحق وإيصال الدعوة )قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً $ فلم يزدهم دعائي إلا فراراً $ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً $ ثم إني دعوتهم جهاراً $ ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً([29] وهاهنا نقول: إن الداعية الموفق يبحث دائمًا عن كل سبيل ووسيلة يستهوي بها قلوب المدعوين، ويستميل بها عقولهم وعواطفهم، ويجتذب بها انتباههم؛ نصرة لدعوته، ورغبة في استقطاب أكبر عدد إليها. ومن أهم وسائل الداعية في استمالة عقول وقلوب وعواطف المستمعين إخراج الحديث عن الجفاف، وتجنيب مجلسه الجمود، والبعد بموعظته عن أن تكون باهتة
وللوصول إلى ذلك يلزم أن يتوفر عدة شروط في الموضوع وفي الأداء أيضًا منها:
أ ربط الموضوع بواقع المدعوين
وفي القرآن الكريم نقرأ )أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت $ وإلى السماء كيف رفعت $ وإلى الجبال كيف نصبت $ وإلى الأرض كيف سطحت([30] ونقرأ )والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون([31] وفي السنة نقرأ {إن شجرة تشبه المؤمن هي النخلة}[32] ونقرأ {ألك إبل؟ قال: نعم. قال: فما ألوانها؟ قال: صفر. قال: هل تجد فيها من أورق؟ قال: نعم؟ قال: فمن أين؟ قال: لعله نزعه عرق. قال: ولعل ولدك قد نزعه عرق}[33] فالنبي e يضرب الأمثال ويبيِّن الحقائق من واقع الناس الذي يعيشونه ولا يخاطبهم بما يعسر على عقولهم فهمه، {وما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة}[34] فعند اختيار الداعية لموضوع يعالجه، أو مشكلة يبحث لها عن حل، أو فكرة يطرحها، أو فضيلة يدعو إليها ينبغي أن يكون ذلك مستوحى من واقع الناس المعاش، ومستمدًا من روح بيئتهم وصميم حياتهم، خصوصًا عند ضرب الأمثال وسرد القصص، وكذا عند اختيار الكلمات والجمل بالبعد عن غريب اللفظ وعالي الأساليب، مع اعتبار تفاوت المستوى العلمي والثقافي والاجتماعي للمستمعين. وتعتبر معالجة المشكلات الطارئة والحوادث المستجدة في حياة الناس ومناقشة أسبابها وبيان عواقبها وذكر طرق علاجها من أهم أسباب التشويق والانتباه وتحصيل الفائدة والثمرة المرجوة والأثر الطيب لدى المستمع. في حين أن تجاهل أحداث المجتمع والتغافل عن حل مشكلات الناس يوقع الداعية فيما يسمى "بالعزلة الفكرية" ويضرب بينه وبين الناس بسور ليس له أبواب، ويتسبب في فض الناس عنه ورفضهم دعوته، وهي أكبر خسارة للداعية على الإطلاق.
فلا يمكن لداعية يخاطب فئاماً من المثقفين في العاصمة مثلاً أن يقرأ من كتاب للخطب المنبرية رُقِمَ قبل مئات السنين، أو يعرض لهم أفكاراً قد أتى عليها الدهر، وأفناها الزمن، ثم بعد ذلك يغضب إن لم يعط طاعة، ولم يصغ الناس إلى حديثه.
2 تجديد وتنويع الأساليب
إذا دخل الملل على السامع أو المتلقي خرج بقلبه عن مجلس الوعظ وسبح في أحلام اليقظة، أو استسلم لخفقات النعاس.. ورشاقة الداعية وتنقُّله بين أساليب الدعوة واختراع أساليب جديدة والتنويع في ذلك في اللقاء الواحد يثير شهية المدعوين إلى الاستماع وينفي عنهم الملل الذي يفقد المجلس حلاوته ويعدم فائدته. وفي السنة المطهرة نجد النبي واعظاً وخطيباً ومفتياً ومجيباً ومفسراً للرؤى والأحلام، يقص القصص ويضرب الأمثال، وهو في هذا كله لا يُمَلُّ حديثه ولا يُستثقَلُ مجلسه. فينبغي على الداعية أن يتنقل بين أسلوب القصة المسلية التي يحرك بها العاطفة ويسلي بها النفوس، ويأخذ مواطن العبر والعظة، ثم ينتقل إلى ضرب الأمثال تقريبًا للمفاهيم، وتيسيرًا على السامعين، وتجسيدًا للوقائع، وتصويرًا للمَشاهِد، وإلباسًا للخيال لباس المحسوس المشاهَد، فيكون أقرب للفهم وأيسر في استخراج الفوائد، وهو من أساليب القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ ففي القرآن في الحث على النفقة )مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ([35] وفي فضل الإخلاص )وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ([36] وفي بيان أعمال المشركين )وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب([37] وفي التخويف من الرياء )أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ([38]
وفي السنة بيان فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ... الحديث }[39] وفي فضل قراءة القرآن {مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب... إلى آخر الحديث}[40] وأحياناً يطرح النبي e على أصحابه سؤالاً؛ ينبِّه به الغافل ويوقظ الوسنان ويفتح الأذهان، {أتدرون ما الإيمان بالله؟}[41] {أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً ما تقول ذلك يبقي من درنه قالوا لا يبقى من درنه شيئاً}[42] {أتدرون من المفلس}[43] وكان e يداعب أصحابه ويمازحهم ويماسحهم ويحادثهم
3 انتهاز المناسبات والفرص
باستغلال المواقف في إصلاح الناس وتوجيههم، فيكون التعليق أبلغ في التأثير، وأقرب للفهم والمعرفة، مع استغلال استعداد المدعوين النفسي وتهيئهم للقبول، كما في الحديث عن جابر أن رسول الله e مر بالسُّوق داخلاً من بعض العاليةِ والناسُ كنفتهُ، فمرَّ بجَدْي أسَكَّ ميِّتٍ فتناولَهُ، فأخذ بأُذُنِه، ثم قال: أيكم يُحبُّ أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نُحبُّ أنه لنا بشيءٍ، وما نصنع به؟! قال: أتُحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيبًا فيه لأنه أسكُّ، فكيف وهو ميت؟! فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم}[44]
4 استعمال وسائل الإيضاح
وهذه أبلغ ما يكون في تجسيد الفكرة، وترسيخ العلم، والتشويق إلى الموعظة بالتجديد. واستغلال وسائل الإيضاح حسب المتاح طالما لا يخالف الشريعة، وهي تختلف باختلاف الأزمان، وكذلك الأماكن والأفهام، وهي وسيلة نبوية ينبغي للدعاة عدم إغفالها، وفي الحديث عن ابن مسعود قال {خط النبي خطاً مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال {هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به - أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا}[45]
خامسًا الاقتصاد في الموعظة
وهذا يكون على قسمين: الأول: الاقتصاد في الكثرة: فلا يكثر من المواعظ وإنما يتخول الناس بها بين الفينة والفينة، حتى يشتاق الناس إليه ولا يملون حديثه، كما جاء عن النبي e أنه كان يتخول أصحابه بالموعظة خشية السآمة. والثاني: الاقتصاد في وقتها: فتكون الموعظة قصدًا عدلاً، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضًا، قال e {إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه}[46]
فالبعد عن الثرثرة، وتجنب الحشو وتكرر الأفكار، وإطالة المقدمات، والاسترسال في سرد الأدلة والتفاصيل المملة يفقد الموعظة كثيرًا من فوائدها، وإنما القصد القصد.
ثالثاً: من المزالق التي يقع فيها الدعاة المعاصرون مما يخالف منهج الأنبياء
1. التكلف والافتعال، فنجد بعضهم يتكلم في قضية لم يسبر غورها ولم يحسن فهمها، وقد يسأل عن شيء لا يحسنه فيستحي من قول: لا أدري!! وقد كان هدي النبي r الحرص على إفادة الناس من أقرب طريق وأوضحه؛ فربما سأله سائل فاكتفى في الرد عليه بكلمات قصار، وربما جعل الجواب في ثنايا موعظة بليغة، وربما صرف السائل إلى قضية أكثر أهمية
2. عدم استعمال الذوق والأدب؛ كما في حال بعضهم إذا أراد الاستدلال على شمول الإسلام فلا يجد إلا مقولة اليهودي البذيء: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة
3. التركيز على موضوع وإهمال غيره؛ فبعضهم لا حديث له إلا عن التبرج والسفور وخروج النساء إلى الأسواق، وبعضهم عن الموت وعذاب القبر والجنة والنار، وبعضهم عن الغزو الفكري وخطط اليهود، وبعضهم عن شروط الصلاة والزكاة والمسح على الخفين
4. إهمال الإحسان إلى الناس؛ وهو سبب عظيم من أسباب فشل الداعية، حين يحصر مهمته في الصلاة بالناس أو إلقاء الدرس أو الخطبة، ثم يهمل النظر في قضاياهم وتفقد أحوالهم ظاناً أن تلك مهمة غيره من الناس، وفي القرآن الكريم على لسان زملاء يوسف u في السجن )إنا نراك من المحسنين([47] وعلى لسان قوم صالح u )يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا([48] وعلى لسان آخر يخاطب موسى u )وما تريد أن تكون من المصلحين([49] وفي سيرة المصطفى r )قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون([50] وقصة سعد بن عبادة ونعيم بن النحام العدوي
5. تغيير المضمون، ومن مظاهر ذلك أن بعض الدعاة قال: إن الإسلام ديمقراطي حين قال قائل الكفر: إنه استبدادي، وقال: إن الإسلام لا يهاجم أحداً ولا يفتح بلداً حين قال قائل الكفر: إنه انتشر بالسيف، وقال: إن التعدد رخصة لا تباح إلا لضرورة حين قال قائل الكفر: إنه ظلم المرأة، وقال الزائغ: إن اليهود والنصارى مؤمنون ولهم في الجنة نصيب حين قال الزنديق: إن الإسلام يلغي الآخر ولا يعترف به. وفي القرآن 332 موضعاً كلها بدأت بقل وأكثرها في تقرير عقيدة الولاء والبراء
6. الفهم الخاطيء للحكمة والموعظة الحسنة، وفي القرآن الكريم على لسان موسى الكليم u )وإني لأظنك يا فرعون مثبورا([51] وفي السنة مواجهة النبي r لمشركي قريش بما يكرهون حين اشتد شرهم وقوله لأبي بن خلف {نعم يحييها ويبعثك ويدخلك النار}[52]
[1] سورة يوسف/ 108
[2] سورة آل عمران/ 104
[3] سورة آل عمران/110
[4] سورة الأعراف/ 170
[5] سورة الأنفال/ 39
[6] سورة الزمر/ 11 15
[7] سورة مريم/ 43
[8] رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
[9] رواه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث من رواية أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وأبي هريرة y
[10] سورة يوسف/ 107
[11] رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله
[12] سورة الصف/ 2
[13] رواه البخاري من حديث أنس بن مالك
[14] رواه البخاري من حديث أنس بن مالك
[15] سورة النحل/ 36
[16] سورة الأنبياء/ 25
[17] رواه الشيخان من حديث ابن عباس
[18] سورة ص/ 86
[19] رواه البخاري من حديث جبير بن مطعم
[20] سورة لقمان/ 17
[21] رواه الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود
[22] سورة التوبة/ 128
[23] رواه ابن ماجه من حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها
[24] رواه ابن حبان من حديث أبي هريرة وذكره ابن كثير في السيرة النبوية، والسهيلي في الروض الأنف، وابن القيم في الزاد، وابن هشام في السيرة
[25] رواه مسلم من حديث أبي هريرة
[26] رواه البخاري من حديث عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
[27] السيرة النبوية لابن كثير 3/422
[28] رواه الإمام أحمد عن ابن غنم الأشعري
[29] سورة نوح/ 5-9
[30] سورة الغاشية/ 17-20
[31] سورة النحل/ 8
[32] رواه الشيخان من حديث ابن عمر
[33] رواه الشيخان من حديث أبي هريرة
[34] رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود موقوفاً
[35] سورة البقرة/ 261
[36] سورة البقرة/ 265
[37] سورة النور/39
[38] سورة البقرة/266
[39] رواه البخاري عن النعمان بن بشير
[40] رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري
[41] متفق عليه من حديث ابن عباس
[42] متفق عليه من حديث أبي هريرة
[43] رواه مسلم عن أبي هريرة
[44] رواه مسلم عن جابر بن عبد الله
[45] رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود
[46] رواه مسلم عن عمار بن ياسر
[47] سورة يوسف/ 36
[48] سورة هود/ 62
[49] سورة القصص/ 19
[50] سورة يونس/ 16
[51] سورة الإسراء/ 10
[52] أورده ابن هشام في السيرة النبوية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.