مع زحمة العمل يظل الزميل العزيز ب«الإنتباهة» علي البصير، يضفي جواً من المرح في المكتب، وقد سبق لأبي أحمد، أن روى لنا أن أهل قرية نائية بإحدي الولايات، ربما لم يسمع بها حتى المعتمد الذي تقع تحت إمرته، ناهيك عن والي الولاية، طالبه اثنان من مواطنيها أن يكتب لهما خبراً، واشترطا عليه أن يزين الصفحة الأولى، يحمل مطالبة أهل القرية بإقالة مدعي الجنائية لويس أوكامبو، وقد شرح لهما البصير أن الجنائية لا تعني السودان في شئ.. تذكرت ما أوردناه أعلاه من دغمسة في الرؤية لأهل تلك المنطقة وعدد من المسؤولين يبحرون في بحر التصريحات، ومن ثم يستريحون على شاطئ الدغمسة من خلال ردود الفعل التي تولدت نتاج تصريحاتهم، على شاكلة عامل اللحام الذي «طلع» براءة من قصف مصنع اليرموك، بعد أن ساق والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر اتهامات في وجهه مستبقاً الإعلان الرسمي الذي حدد إسرائيل وهي تقصف المصنع بسرب من الطائرات، بيد أن الارتباك في التصريحات بحسب مراقبين وصل قمته بعد أن أقرَّ وزير الخارجية علي كرتي بعده عن صنع وطبخ القرار، وقد سبق وأن علق على البوارج الإيرانية بحسب ما تم الإعلان عنه رسمياً داخل وخارج السودان، كون أن رسو البوارج صادف قصف اليرموك، كما أكد ذلك السفير الإيراني بالخرطوم في الحوار الذي أجرته معه الزميلة «الأهرام اليوم» أمس الأول. ورحلة البوارج كأنها روتينية وقد رفضت الخرطوم استقبالها العام الماضي، وفق حسابات المصالح. وتولت المملكة السعودية الأمر إنابة عن السودان، ثم عاد كرتي وأكد علمه بوصولها الآن من الإعلام. قريبون من السلك الدبلوماسي أكدوا حالة الإرتباك التي بدت واضحة على تصريحات وزير الخارجية، ما قد يؤثر على مستقبل الدبلوماسية السودانية، لجهة أن كرتي هو المسؤول الأول المنوط به تقديم تنوير للدبلوماسيين وضيوف البلاد، باعتباره المرآة التي يرى من خلالها الآخرون الصورة السودانية. تواصلت «الدغمسة» وصحف أمس تنقل توجيهات من قيادة البرلمان إلى حزب سياسي، وهو المؤتمر الوطني، عندما أمر نائب رئيس البرلمان هجو قسم السيد المؤتمر الوطني بالبحث عن بديل لخلافة البشير، ودعوة الرجل التي خلت من توقيت رغم أن الأمر ليس من اختصاص البرلمان الذي لا يملك حق التوجيه أو أمر الأحزاب السياسية، كأنما يطالب الحزب بالبحث عن بديل اليوم قبل الغد، خاصة وأن الرئيس بمشفى سعودي بعد أن أجرى أمس الأول عملية جراحية وصفها شقيقه محمد حسن البشير في حديثه معي بالمركز العام للمؤتمر الوطني ظهر أمس، بالبسيطة قبل أن يؤكد اطمئنانهم على سلامة الرئيس الذي يرافقه شقيقه عبد الله طبيب- ومعلوم إجراءات خلافة الرئيس داخل الحزب أو ملء كرسيه حال شغره لأي سبب. وسبق لمستشار الرئيس السابق مصطفى عثمان أن أعلن رفض الحكومة للإستراتيجية الأمريكية تجاه السودان فور صدورها، بينما في ذات الوقت أكد زميله في القصر سابقاً غازي صلاح الدين إرجاءهم التعليق على الإستراتيجية إلى حين دراستها. ويلحظ البعض تدخل والي شمال دارفور عثمان كبر في بعض الشؤون المركزية المتعلقة بالأمن القومي، آخرها ما تردد عن إعلانه رصدهم لطائرات إسرائيلية تحلق في سماء دارفور، غير متناسين التصريح الناري الذي أدلى به والي القضارف السابق كرم الله عباس الشيخ، عندما دعا للتطبيع مع إسرائيل، وظل الرجل محل انتقاد إلى أن غادر منصبه لتستجم بعدها ولاية القضارف من وعثاء «الدغمسة». ومهما يكن حالة الدغمسة المسيطرة على تصريحات المسؤولين، تتفاوت درجات أسبابها، فما بين غياب المسؤول عن مسرح الأحداث وعدم صبره حتى يتحصل على المعلومة، أو قبل أن يحظى بتنوير من جهات الاختصاص، يسارع ليطلق أحاديث متفلتة، وأحياناً تسيطر الأهواء الشخصية على المسؤول، بينما يتندر الصحافيون على بعض المسؤولين، ويقولون عنهم إنهم يحبون أن يصرحوا والسلام.