نسبة للحالة المتردية والخطيرة التي وصل إليها مشروع الجزيرة وما اعتراه من خراب ودمار تامين رأيت أن أدلي برأيي كمهندس ري عمل ما يقرب أربعين عاماً في مشروع الجزيرة، ولظهور كثير من التحليل والتشخيص الخاطئ لمشكلات الري من غير ذوي الاختصاص، ونسبة لأن الماء ليس مدخلاً عادياً من مدخلات الزراعة وإنما هو مستلزم تنعدم الحياة بدونه تماماً. أرى أن أتعرض بشيء من التفصيل لنظم الري بالمشروع تحت بندي التشغيل والصيانة. التشغيل: يروى المشروع بترعتين رئيسيتين تأخذان من أمام خزان سنار هما ترعة الجزيرة وترعة المناقل. ترعة الجزيرة مصممة لتمرر «186م 3/ ث» وترعة المناقل لتمرر «168م 3/ ث» وبحساب التصرف اليومي فإن أقصى تصرف لترعة الجزيرة «16» مليون م «3» وترعة المناقل «14.5» مليون م «3» بجملة «30.5» مليون م «3» في اليوم للترعتين. وتحسب المياه المنصرفة في الترعتين بثماني معادلات: أربع في الصيف وأربع في الشتاء. تلتقي الترعتان في قنطرة كيلو «57» ود النو يتفرع منها فرع المناقل الكبير «811م 3/ ث» وفرع المناقل الصغير «40م 3/ث» وفرع الشوال ثم ميجر فحل «1» وهذه القنوات تروي مشروع المناقل. أما ترعة الجزيرة فتستمر في تمرير المياه عبر قناطر ك «77» وك «99» وك «108» (بيكة) وك «114» ثم ك «127» حتى مشارف الخرطوم. وتروي الترعتان مساحة مليوني فدان رياً انسيابياً بتصرف لا يتجاوز «32» مليون م «3» في اليوم وذلك بمعامل «16م 3» للفدان ولكي يسير الري بصورة مأمونة يرى أن لا تزيد المساحة المروية في العروة الصيفية عن «50%» من المساحة الكلية والالتزام الصارم بتواريخ الري والزراعة لكل محصول تفادياً لأي اختناقات ري تحدث. بفرع المناقل الكبير قنطرة ك «12» الشريف مختار وبالصغير قنطرة ك «39» عبد الغني ثم يلتقي الفرعان في ك «65» كمل نومك. ويتفرع من قنطرة ك «65». فرع وادي النيل (بطول 67 كيلو مترًا) ليغذي تفتيشي الفريجاب وسرحان وجزء من قوز الرهيد إضافة إلى أنه يغذي مساحة «77» ألف فدان بتصرف قدره مليون ومائة وخمسين ألف متر مكعب بالإضافة لتغذية توصيلة المريبيعة لري تفتيشي تورس والفوار بالإضافة لري تفتيش عبد الماجد. من قنطرة ك «65» كمل نومك يأخذ فرعا ود المنسي (بطول 44 كيلو مترًا) والمناقل الذي يتفرع عند الكيلو «77» فرع المناقل (ود الأمين) بفرعي الكوة (بطول 50 كيلو مترًا) ومعتوق (بطول 29 كيلو). ثم تنساب المياه في المشروع من الفروع إلى المواجر والترع الفرعية إلى الحقول وذلك عبر القناطر. لكل قنطرة مناسيب تصميم أمام وخلف القنطرة تتطلب مراقبة تامة لعملية إدارة وضبط المياه ورصد المقاسات في دفاتر كل قسم فرعي على رأس كل ساعة بالقناطر الكبيرة مثل قناطر «ك 57، ك 77، ك 99، ك 108» (بيكة) وثلاث مرات في اليوم للقناطر الأخرى في الساعة السادسة صباحاً والثانية عشرة ظهراً والسادسة مساءً، يكون مهندس التشغيل بالقسم المعني على اتصال دائم بالقناطر في الليل والنهار للتحسب لأي ارتفاع مفاجئ أو انخفاض مفاجئ للمناسيب ليقوم بالإجراء اللازم حتى لا تتعرض القنوات والقناطر للكسر. كما يتعين إرسال مقاسات السادسة صباحاً بالقناطر الكبيرة يومياً لوكيل الوزارة والوزير. كما أن الشخص الوحيد الذي له سلطة تعديل مناسيب التصميم هو وكيل الوزارة. بالنسبة للترع الفرعية يقوم مفتش الغيط بحساب كمية المياه لكل ترعة حسب المساحة المراد ريها ولا يتعدى طلبه الأقصى «16م 3» اليوم للفدان لكل المساحة المسجلة للترعة. ويجمع طلبات ترع التفتيش ويرسلها لمهندس الري الذي يجمعها بدوره مع طلبات التفاتيش الأخرى ويرسلها إلى قسم ري الامام وهكذا حتى تصل إلى الخزان. ثم يصدر مهندس الري التعليمات للقناطر لفتح أو قفل المياه وتنفيذها حال وصول المياه (قصاد الأمام) وعلى مراقب مياه كل قنطرة حال التنفيذ أن يبلغ القنطرة خلفه بأي وسيلة من السبل وبذلك تنساب المياه بصورة منتظمة غاية الانتظام. وبعد فتح المياه في الترعة الفرعية يقوم مفتش الغيط وخفير الترعة بعملية ضبط وتمرير المياه في صناديق الترعة عبر الأبواب والهدارات وبعد اكتمال الرية يتصل مفتش الغيط بمهندس الري لقطع المياه حتى لا تجد طريقها للمصارف والشوارع. ومما يجدر ذكره أنه يرى أن تمرر ماسورة أبو عشرين (النمرة) «5» آلاف «م3» معنى ذلك أنه لو كان بالترعة «20» ألف «م3» فيلزم أن لا تفتح أكثر من أربع مواسير. وبما أن قنوات الري والصرف شبكة واحدة متصلة ومتداخلة من ترع ومصارف تتدرج من مصارف صغيرة ومصارف تجميعية ومصارف كبيرة وهذه لتصريف مياه الأمطار. أما مصارف التخفيف الكبيرة (الاكسيب) فتفتح فيها المياه عند نزول الأمطار وذلك وقاية للقنوات من الكسر ولحين وصول قطع المياه من الخزان. إن لكل تفتيش من تفاتيش المشروع محطات رصد للأمطار مثلاً المحطة «أ» والمحطة «ب» والمحطة «ج». يقوم خفير الترعة بعد توقف المطر مباشرة بقياس المطر وإرساله لمفتش الغيط الذي بدوره يقوم بقطع المياه وإرسالها بصورة عاجلة لمهندس الري المعني (قطعية مطر) الذي بدوره يرسلها إلى قسم ري الأمام حتى الخزان. وقبل أن ينفذ الخزان قطع المياه تفتح المياه في مصرف التخفيف. كما يلاحظ من هذا السرد أن لمفتش الغيط دورًا كبيرًا في إدارة وضبط المياه بالغيط وبدونه تكون المهمة مستحيلة ويؤدي إلى الخلل الماثل هذه الأيام. إن تحديد المساحة المزروعة في كل عروة والالتزام الصارم بتواريخ الزراعة لكل محصول أمر في غاية الأهمية لرجل الري والشخص الوحيد الذي يقوم بهذا العمل وعلى الوجه المطلوب وبالكفاءة العالية هو مفتش الغيط. وأجدني في غاية الاستغراب كيف تمرر المياه وبأي كمية في حالة عدم معرفة المساحة المراد ريها. أمر آخر ينبغي التنبيه عليه وهو أن كثيراً من مناطق الجزيرة المياه الجوفية بها مالحة ولا تصلح لشرب الإنسان ولذلك يعول على مياه الشرب من الترع فيقوم مفتش الغيط بتجهيز الترع التي تروي القرى وأماكن سكن المواطنين وإرسالها لمهندس الري تحت مسمى برنامج مياه الصيف ويقوم بمتابعتها موفراً كثيراً من العناء على المواطنين بالقرى. الصيانة تتمثل الصيانة في تطهير القنوات من كل ما من شأنه إعاقة انسياب المياه إلى الحقول من طمي أو حشائش والشخص الوحيد الذي له اتخاذ قرار الحفر أو إزالة الحشائش هو مهندس الري بالغيط وذلك بعد إجراء البحث بالميزان. وفي غياب الميزان هو أقدر من غيره على تقدير الموقف. وجدير بالذكر أن كثيراً من غير ذوي الاختصاص يتحدثون عن التطهير والكراكات وإني أرى أنه ما كان لهم أن يخوضوا في هذا الشأن إذ أن كثيراً من الحفريات التي تجرى ضررها أكثر من نفعها بالإضافة للتكلفة العالية التي ترهق الخزينة العامة في غير طائل. وأرى أن المشكلات يمكن أن نحصرها في وجهها الإداري سواءً من جانب الري أو جانب الزراعة. فإذا حدث انضباط إداري أكرر انضباط إداري سواء لمهندس الري أو مفتش الغيط سيسير العمل بصورة سهلة ومنظمة تجنب المحاصيل غائلتي العطش والغرق. لنواظم القناطر الكبيرة والصغيرة أهمية قصوى وذلك يتطلب تعهدها بالصيانة وعلاج الأعطال الطارئة أولاً بأول ومما يجدر ذكره أن كثيراً من أبواب الترع الفرعية والهدارات والمنظمات الوسيطة تعرضت في الآونة الأخيرة للتعدي بالسرقة والإتلاف، الشيء الذي أحدث خللاً كبيراً في نظام الري، وبذلك يصبح وجود خفير ترعة من الإدارة الزراعية في كل ترعة كما هو النظام أمراً في غاية الأهمية وذلك لضبط المياه وحراسة المنظمات والمحافظة عليها من السرقة والإتلاف. الأعمال الميكانيكية لإدارة الميكانيكا بوزارة الري دور يصعب تجاوزه فهي لما لها من إمكانات وخبرات في تصنيع وصيانة أبواب الري بأحجامها المختلفة. فهي تقوم بتشغيل وصيانة كل طلمبات الري بالمشروع بالإضافة لتصنيع كل الأبواب المتحركة بدءاً من قطر «45» سم وانتهاءً بقطر «3» أمتار. وتصنيع مواسير الحديد بدءاً من قطر «50» سم وانتهاءً بقطر «124» سم هذا إضافة لتصنيع قطع الغيار لكل طلمبات وأبواب المشروعات في السودان وذلك كله متوفر في ورشة إدارة الميكانيكا والكهرباء بمدينة «24» القرشي وهي أكبر ورشة ري في السودان. كما أن إدارة الميكانيكا تتطلع بأعمال الصيانة الصيفية للأبواب من إحلال وإبدال وقطع غيار وتشحيم وتزييت. إن نظام التشغيل والصيانة الذي أسلفت الحديث عنه بصورته الزاهية التي كانت سائدة على مدى ثمانين عاماً قد انفرط عقده ودخل في عشوائية لا تليق بهندسة الري في عصر تسوده التكنولوجيا وانفجار المعرفة. والخلل الآخر هو الفراغ الذي تركه غياب مفتش الغيط وساد فيه تخبط المزارعين واتحادهم وما أفرزه قانون المشروع لعام «2005م» من سلبيات. إذ جعل لكل ترعة رابطة مسؤولة عنها وتركت المصارف دون تحديد مسؤولية وكما أسلفت فإن الشبكة واحدة ومتداخلة ري وصرف لا ينفك أحدهما عن الآخر. ويتداول العامة أن المشروع «1700» ترعة وهذا التعبير غير دقيق وغير علمي وأنا أعرف ترعة طولها أكثر من «27» كيلو مترًا وترعة طولها أقل من كيلو متر. فتأمل!! خاتمة ولعلاج هذا أرى الآتي: 1/ للدخول في موسم زراعي ناجح أن يبدأ للتحضير للموسم اعتباراً من نهاية مارس وذلك بتجفيف كل القنوات التي لا تروي قرى وبذلك نقضي على الحشائش موفرين بذلك تكلفة الحفر وهي وسيلة رخيصة كما ترى. 2/ أن يقوم الري في فترة الصيف بصيانة وإبدال كل الأبواب وبذلك يكون العمل سهلاً في الجفاف. 3/ التوسع في إدخال آلات إزالة الحشائش ولا يستعان بآلات الحفر إلا عند الضرورة وبعد البحث بالميزان. 4/ أن تعود الإدارة الزراعية بصلاحيتها الكاملة؛ لأن دورها لا يتسنى لعاقل أن يستغنى عنه. 5/ بما أن شبكة الري ومنظماتها صممت بكفاءة عالية اضطلع بها مهندسو المشروعات بوزارة الري وتتوافر ملفات التصميم وخرط القطاعات الطولية للقنوات بأقسام الري الفرعية وهي تحوي كل الأبعاد والمقاييس والمواصفات التي تعين على الصيانة والتشغيل ولذلك أنبه أنه من الخطورة بمكان أن يتعدى على هذه المنشآت بالتعديل من غير الرجوع إلى ذوي الاختصاص. 6/ وبما أن مشروع الجزيرة في الأساس يرتكز على ركائز ثلاث الإدارة الزراعية وإدارة الري والمزارع فلا يستقيم الأمر أن يظل قائماً على ركيزة واحدة بعد أن نسف قانون الجزيرة لعام «2005م» ركيزتي الزراعة والري. الأمر الذي أفضى إلى أن تعاني المحاصيل بالمشروع من العطش وتدفق المياه خارج المشروع من جهته الغربية لتصل لشارع الخرطوم ربك مكونة مسطحات مائية ظاهرة للعيان. 7/ يتحدث كثير من الناس عن إعادة تأهيل بنيات الري وأن الأمر يحتاج إلى مئات الملايين من الجنيهات لينتظم الري ولكني أقولها بكل تأكيد إن ذلك فيه تهويلاً وتحليلاً قائمًا على أسس غير سليمة. أعيدوا إدارة الري والإدارة الزراعية بهياكلها القديمة وسيكون الحل بأيسر مما تتخيَّلون. كما يلاحظ أني ذكرت كثيراً من التفاصيل الهندسية وذلك لأدلل أن بشبكة الري مجهودًا هندسيًا كبيرًا لا يحتمل العشوائية في التعامل بأي حال. هذا ما لي من آراء بخصوص مشروع الجزيرة الذي عشت فيه منذ نعومة أظافري مواطناً ومزارعاً ومهندساً آمل أن يقيض الله لمشروع الجزيرة من يقيل عثرته ويخرجه مما هو فيه من خراب.