من غير المعقول أن يهمل سلفا كير ميارديت دولته الجديدة بكل تراكماتها وتعقيداتها ومهدداتها ويتفرغ تماماً لمعاداة السودان. يجب أن يكون هنالك دافع مدمر يدفعه لهذا المسلك الذي يعلم هو قبل الآخرين أن حكومته لا محالة هالكة إذا استمر في غلوائه. السبب ببساطة هو ورطة سلفا كير التي أدخلته فيها إسرائيل وأمريكا بعد أن قدمتا للحركة الشعبية كل الدعم والتسهيلات ولسنوات طويلة منذ أنانيا الأولى حتى فصل الجنوب وإعلان دولته في يوليو 1102م. وقبل إعلان دولة الجنوب ببضع سنوات كانت الدول التي ساندت هذا المشروع قد بدأت في تقديم كشف حساب للحركة الشعبية مطالبة بالسداد حتى تنهي إجراءات إعلان الدولة الجديدة. وفعلاً بدأ السداد في شكل بيع صوري لأراضي الجنوب لشركات أجنبية حتى احتل الجنوب المرتبة الأولى في قائمة الدول التي باعت أراضيها للأجانب، قيمة الهكتار الواحد (2 سنت) أي اثنين مليم للهكتار الواحد. هذا الاستهتار الجنوبي بتراب وطنهم شجع بعض الشركات الأجنبية على زراعة المخدرات في أراضي دولة الجنوب طمعاً في الكسب السريع. أيضاً بدأت الدول التي ساعدت الجنوب في الفصل من الشمال بمطالبة حكومة الجنوب بدفع الجزء الأكبر من فاتورة الفصل وهو الجزء الأهم في الصفقة، هذه الفاتورة تعني زعزعة الأمن والاستقرار في مناطق السودان الحدودية مع دولة الجنوب من جنوب دارفور إلى أبيي إلى جبال النوبة وحتى النيل الأزرق في الحدود الإثيوبية.. يتم ذلك بالسيناريوهات التي يشهدها السودان اليوم. وحتى نجاح هذا المخطط، وجَّر الحكومة السودانية إلى مواجهات دولية مهَّدتْ للتدخل الدولي وفرض الوصاية على هذه المناطق، يفتح الباب على مصراعيه للمستعمر الجديد ولتنفيذ هذا البند الثالث من اتفاقيات الظلام الحالك ضد تراب السودان، يتم إسقاط النظام ويتمدد الخونة حتى وادي حلفا شمالاً ويمدون أذرعهم حتى البحر الأحمر شرقاً والجنينة غرباً في الحدود مع تشاد تحت مسميات نراها تتغير مع الأحداث الآن. ولكن وللتمويه فإن الدولة سوف تكون ديمقراطية، علمانية، ليبرالية حسب ما جاء في توصيات مؤتمر كاودا الأخير. بعلم سلفا كير أنه يلعب بالنار مع دولة السودان، ولكنه لا يستطيع أن يخرق هذه الاتفاقيات السرية خاصة مع إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية. والسبب هو أن أي خرق لهذه الاتفاقيات يهدد كرسي دولة جنوب السودان الهزاز الذي يجلس عليه الآن. ثم إن نهاية جون قرنق ليست ببعيدة عن الأذهان! وهذه هي ورطة سلفا كير الحقيقية. أما بالنسبة للأدوات التي يستخدمها لتنفيذ هذا المخطط فهم مالك عقار وعبد العزيز الحلو والحركات الدارفورية. أما ياسر عرمان فهو (متلقي حجج) ويبحث عن وطن ليس إلا وحينما تبين الاستهداف الخارجي لشعب السودان انتفض شعب السودان، وتأجج الحس الوطني والمسؤولية تجاه السودان. وحتى أحزاب المعارضة (فيما عدا الشيوعي والشعبي) تراجعوا عن مصادماتهم مع النظام لإسقاطه (ولو إلى - حين) واتجهت إلى دعم الحكومة والقوات المسلحة السودانية التي تواجه حكومة الجنوب الآن. أما القوات المسلحة السودانية فهي ذات سمعة عالمية منذ أن كان السودان. وأعنى بذلك ما يحضرني من تاريخ السودان حينما استعان الآشوريون بالمحاربين السودانيين لصد العدوان الخارجي، وقد كان أيضاً استعانة المستعمر محمد علي باشا بالسودانيين لمساعدته في القضاء على أي تمرد ضده وبسط سلطانه في مصر.. ويذكرنا التاريخ ايضاً بحرب الطليان التي حارب فيها السودان في الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء كشرط من شروط بريطانيا لحصول السودان على الاستقلال وحتى (بلك حفيان) في ليبيا فقد كان سودانياً.. وهكذا نستطيع أن نسترسل بشأن الجيش السوداني. نعود لورطة سلفا كير مع إسرائيل تحديداً هذه الدولة تحاصر دولة جنوب السودان من كل صوب حفاظاً على ما اكتسبته في دولة الجنوب، وما تخطط له في إفريقيا جنوبًا والعالم العربي شمالاً. الشاهد ان إسرائيل وفي تاريخها الطويل لم تحظ بما حظيت به على يد الحركة الشعبية لتحرير السودان. فهي قد حصلت على موطئ قدم في القرن الإفريقي خاصة وأن دولة الجنوب هي إحدى دول المنبع لحوض نهر النيل. فهي من موقعها الجديد تستطيع أن تحدث أضراراً بالغة في إفريقيا وخاصة السودان ومصر وهاهي حكومة الجنوب تتلكأ في استكمال مشروع قناة جونقلي لتمنع تبخر المياه من منطقة السد، قائلة بأن المشروع لا يشكل أولوية بالنسبة لها علماً بأن حفر قناة جونقلي سوف ينقذ أرواح القبائل النيلية الجنوبية من النوير والشلك والدينكا التي تعيش في منطقة السد وتتعرض هي ومواشيها للفيضانات ثمانية أشهر في السنة والجفاف أربعة أشهر، وتعاني من أمراض لم يدركها القاموس الطبي بعد. أيضاً إسرائيل وأمريكا في سباق ماراثون للاستفادة من ثروات الشريط الحدودي السوداني مع دولة الجنوب المشار إليه سابقاً، لأن هذه المناطق هي الأغنى في السودان وخاصة في المعادن والنفط، هذا عدا الزراعة والثروة الحيوانية. يقودنا هذا السيناريو إلى دولة إثيوبيا، فعلاقات اثيوبيا مع الحركة الشعبية ومع دولة الجنوب أعمق بكثير من علاقاتها مع شمال السودان، بل ويربط بينهما عامل قوي مشترك نتعرض له بعد قليل. استضافت إثيوبيا جون قرنق ومنحته الأرض والحماية وكل الصلاحيات الممكنة لضرب السودان في ثمانينيات القرن الماضي. وبما أن منقستو هايلي مريام قد أتى إلى السلطة عن طريق الدول الشيوعية فقد طفقت أمريكا تهرول في كل الاتجاهات حتى أطاحته وأتت بالرئيس ملس زيناوي، وقتها غادر جون قرنق إلى كينيا وأوغندا. ملس زيناوي يواجه سبعين مليون نسمة هم عدد سكانه في أفقر دولة في العالم ينهشهم الجوع والأمراض باستمرار. الولاياتالمتحدةالأمريكية أثقلت كاهل زيناوي بالديون. وهي أيضاً تقدم الدعم اللوجستي للجيش الإثيوبي ومساعدات عسكرية وتقدم الإغاثات للمتضررين من الجفاف في إثيوبيا باستمرار.. وبهذه الطريقة أحكمت الولاياتالمتحدةالأمريكية قبضتها على نظام منقستو وعلى حياته وبذلك تستخدمه أمريكا في تنفيذ مخططاتها في القرن الإفريقي (وإلاّ ...) لذلك فإن الجيش الاثيوبي حينما يدخل إلى دولة إفريقية بغرض الحماية الدولية فإن خراباً سوف يحل بتلك الدولة لا محالة! ونضرب مثلاً بالثوار الصوماليين حينما قتلوا الجندي الأمريكي في القرن الماضي وجروه بحبل في شوارع مقديشو العاصمة وأهانوا أمريكا على رؤوس الأشهاد، أرسلت الأممالمتحدة القوات الإثيوبية إلى الصومال وبإيعاز من أمريكا أنحازت القوات الإثيوبية الى جانب دون الآخر في القتال الدائر ونفذت عدة أجندات كانت السبب المباشر فيما وصل إليه الصومال اليوم.. ملس زيناوي واقع في نفس فخ سلفا كير ويشاطره الهم.. والقوات الإثيوبية الأممية التي تتدفق على أبيي الآن ليست محايدة وهي تنتظر استكمال برنامج زعزعة الأمن والاستقرار في المناطق السودانية التي ذكرناها آنفاً حتى تقوم هي بتنفيذ الدور الذي أُرسلت إليه أصلاً في أبيي.. خاصة وأن مصادرنا الموثوقة تقول إن من بين الأربعة آلاف جندي إثيوبي القادمين إلى السودان يوجد ألف ومائتان من الفلاشا. والفلاشا هم الأحباش اليهود، ونحن شعب السودان نعرف كيف تم ترحيلهم من الحبشة الى إسرائيل إبان فترة الرئيس الراحل جعفر نميري عن طريق مطار الخرطوم!. لماذا الفلاشا؟ لأن لإسرائيل نصيبًا في كل ما سوف تكسبه أمريكا في السودان. نعلم أن القوات الأممية تأتي من الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي وروافد أخرى دولية فمن هو الممول الرئيسي للأمم المتحدة؟ الولاياتالمتحدةالأمريكية هي المموِّل الرئيسي. وما زلت أذكر تصريح الرئيس الأمريكي جورج بوش الثاني بعد هزيمته لصدام حسين قائلاً إنه يفكر في إلغاء الأممالمتحدة لتتولى أمريكا إدارة شؤون العالم.. ويبدو أن مستشاريه قد أقنعوه بالعدول عن رأيه منعاً للمواجهات المباشرة بين أمريكا والعالم الخارجي. وإذا راجعنا مباحثات الإيقاد بين حكومة السودان والحركة الشعبية في القرن الماضي فقد تمت في إثيوبيا وقد كانت أمريكا هي الممول الرئيسي ونلاحظ أن ترتيبات فصل الجنوب تم التمهيد لها في تلك المباحثات. تفاصيل كثيرة تؤكد قرب إثيوبيا من الجنوب وليس الشمال بل وفي لجوء مالك عقار لملس زيناوي ليتوسط بينه وبين الرئيس عمر البشير إعلان صريح بعمق علاقة الحركة مع ملس زيناوي وإلاّ فما علاقة ملس زيناوي بما يجري داخل السودان بين رئيسه وولاته؟ وعلى العموم ننبه بشدة إلى مراجعة هذه العلاقة وتقييمها واتخاذ كافة التدابير والحذر بشأنها. أيضاً ندق ناقوس الخطر الذي يتدفق من الحدود الإثيوبية إلى السودان بشكل يومي من الفارين من المجاعات ومن نظام زيناوي. لأن تعداد الإثيوبيين هو سبعين مليونًا كما ذكرنا والسودان هو المعبر الرئيسي لهم للسفر إلى دول أخرى. ولكن أعداداً لا يستهان بها تتسرب إلى السودان بواسطة السودانيين من ضعاف النفوس الذين يسهلون لهم الدخول مقابل ثلاثمائة جنيه للفرد. هؤلاء السودانيون يجب أن تكون القوانين رادعة في حقهم. وتخيلوا لو أن عشرة ملايين إثيوبي دخلوا السودان فهل نصبح دولة سودانية حينذاك؟! يجب حصر الإثيوبيين على امتداد القطر وإعادتهم إلى معسكراتهم في الحدود الشرقية في انتظار سفرهم إلى الدول الأخرى.