في ظل ما تشهد الساحة من اهتمام محلي وعالمي بانعقاد المؤتمر العام الثامن للحركة الإسلامية هذه الأيام يصبح من الظلم اختزال المؤتمر في جدلية اختيار قيادتها الجديدة ممثلة في الأمين العام الجديد، وصرف الأنظار عن القضايا والهموم الكلية التي تمثل تحديات الحركة الإسلامية المستقبلية وهي ترتب لتقديم خطاب سياسي وفكري جديد ونوعي لمواجهتها ومقابلة استحقاقات المرحلة يشمل مراجعة مسار التجربة من حيث التنفيذ العملي لأفكارها وأهدافها ومؤشرات الفشل والنجاح وذلك للعبور نحو المستقبل بخطاب جديد يشمل ذات المضامين والمقاصد والأهداف الكلية للحركة الإسلامية الخاصة بالإصلاح لكنه في ثوب وقالب جديد يواكب ما شهده المجتمع السوداني من تحولات وما طرأ على الإقليم حولنا من تنامي وتمدد للتجربة الإسلامية عبر الثورات العربية التي أخذت تفويضها من الشعب في مصر وتونس وليبيا، وهي بالطبع قد أخذت من التجربة السودانية الكثير واستفادت أكثر من مثالبها ونقاط ضعفها في إدارة شأن الدولة والمجتمع رغم اختلاف البيئات والمجتمعات.. كثيرون من أعداء الفكر الإسلامي المتجدد يراهنون على فشل المؤتمر العام الثامن للحركة الإسلامية ويعملون على أن يخرج بأكبر انقسام تشهده التجربة في تأريخها وشواهد ذلك تتضح في ما يتوهمونه من مصاعب وما يطلقونه من الأحكام المسبقة بفشل المؤتمر عبر التسريبات الصحفية لأنهم يتخوّفون من التجربة ومثاليتها في شأن الحكم والسياسة المستمدة من الرؤية الكلية للإسلام كنظام حياة إذا ما طبقت بشكل سليم، ولهذا تزداد هواجسهم من تأثيرها على الشعوب وانحرافهم نحوها بشكل أعمق وأوسع بإرادة وقناعة على النحو الذي برز مؤخراً فيما عرف اصطلاحاً بثورات الربيع العربي.. واضح من حجم التحديات والتراتيب أن المؤتمر العام الثامن ليس موجه ضد دولة أو تيار فكري سياسي أوعقدي وإنما نشاط بنّاء ومراجعة تنظيمية وبرامجية روتينية ظلت متسلسلة عبر مدة تجاوزت ال «32» عاماً منتظمة وهي ليست عمر التنظيم منذ ميلاده ولكناه مدة بداية المؤتمرات التنظيمية التي تأتي كل أربعة أعوام وهي قد بدأت قبل قرار حل الحركة الإسلامية بداية التسعينيات وماضية حتى الآن وما تستشرفه من مستقبل فقد انشغلت الحركة الإسلامية وغرقت في الماضي في عملية بناء وتأسيس الدولة وقد دفعت في سبيل ذلك دماءً وأنفساً غالية لكنها ليست أغلى من قيمة تأمين وحماية الدولة والمجتمع الذي هو المستهدف الأول في الخطاب الجديد القديم للحركة الإسلامية، كيف لا! وهو المعني بامتلاك المشروع الإسلامي الإصلاحي كاملاً فهماً وتأصيلاً حتى يحصِّن نفسه ضد الغزو الفكري والاستلاب الثقافي الحضاري.. كل الذي أوردته في مقدمة الحديث لا يمكن أن يبرر الأخطاء والانحرافات التي حدثت باسم المشروع الإسلامي سواءً كانت في الدولة واقتصادها أو المجتمع لكن بالمقابل لا يمكن أن تكون أخطاء وسلبيات التجربة في التنفيذ هي أدوات انكسار وضعف واتباع وحتى لا تتحول إلى مفاسد وهروب من لهيب ولظى التجربة، فقد تمت مواجهتها عبر الرؤية الجديدة للحد من التعصب الجهوي والغلو الديني، وهذا من أخطر مهددات الممسكات الوطنية فلا بد من خطاب ومنهج وسطي وفقه مقاصدي يمنع الاحتماء بالقبيلة وإحياء النعرات العنصرية البغيضة ويعلي صوت الوطن، ومن أخطر التحديات التي تجابه مستقبل الحركة الإسلامية أزمة الخطاب الخارجي المقعد بما يصنعه الغربيون من مصطلحات ومتاريس مفتعلة كجدلية العلاقة بين الدين والسياسة أو ما يعرف بمفهوم أو مصطلح« الدولة الإسلامية والدولة المدنية» بقصد التناقض والتتاضد وليس التوافق كما يراها الإسلام في مفهومه العام والثابت، لكن عدم وضوح الرؤية وثباتها للتجربة الإسلامية السودانية في هذا الشأن أو قل الانحراف في تطبيق المعايير رغم تضمينها في المؤشرات الفكرية والمنهجية لخطاب الحركة الإسلامية إلا أن ذلك كان سبباً مباشراً في الحديث عن المفارقة ما بين التنظير والتطبيق وهو ما يعتبر تحدياً أكبر للحركة الإسلامية في المرحلة المقبلة حتى تستعيد ثقة قاعدتها وأهل السودان في بناء دولة وطنية قائمة على أساس المواطنة في الحقوق والواجبات والعيش المشترك وهو ما نص عليه الدستور لكن ثمة من يرى مفارقة في التطبيق.. ومن الواضح من خلال الفعاليات المصاحبة للمؤتمر العام الثامن التي بدأت بالمنتديات «الاقتصادي» و«السياسي» وكذلك كثافة التوثيق للتجربة ورموزها ومفكريها واضح أن الحركة الإسلامية قصدت عرض بضاعتها للعلن وبدأت مسيرة النقد والتقويم من داخلها بشجاعة وجرأة وهي تخطط لمواجهة تحدياتها ولتخاطبها بلغتها عبر أوراق عمل محكمة أعدّها خبراء ومفكرون سكبوا فيها عصارة فكرهم ومعرفتهم بالتجربة وأصولها في مجال حقوق الإنسان والاقتصاد الإسلامي والعمل الطوعي والاجتماعي على مستوى نجاحاتها وفشلها ورؤية الخروج وخطاب المستقبل، كما تمت مناقشات مفتوحة وحوار عميق لتصويب التجربة تركّز على ضرورة التفاعل الإيجابي مع ما يسمى بالنظام الدولي لحقوق الإنسان في إطار مفهوم «تحالف الحضارات» وهو ما أطلقه الدكتور أحمد المفتى في ورقته «الإسلام والنظام الدولي لحقوق الإنسان» التي قدمها في المنتدى السياسي ويمضى«المفتي» في توضيح مقصده من مفهوم تحالف الحضارات لإثراء ذلك النظام وتصويب مثالبه لأن الإسلام نزل رحمة للعالمين وليس للمسلمين فقط وذلك وفق الاشتراك الفاعل في المحافل الدولية لحقوق الإنسان وتعويض الغياب غير المبرر للإسلام عن الساحة الدولية لحقوق الإنسان تصحيحاً للصورة التي رسخت بأن الإسلام دين عنف وإرهاب، وجعل تلك المحافل ساحة حوار بحيث يأخذ التحالف توجهاً عملياً يبين المردود الإيجابي لتطبيق الإسلام على الأرض بعيداً عن التداول النظري ولتطرُّف في النقاش.. للحديث بقية إن شاء الله..