«بابا بغسِّل العدة»عندما انطلقت الأغنية المنلوجية قبل أعوام وتبادلتها الهواتف أشعلت النيران في قلوب أبناء آدم الذين ينظرون إلى الموضوع بمنظور ذكوري بحت، هي تطبخ وهو يكتب، الذي جعل الرجل يحصر المرأة في خانة اجتماعية معينة لا تؤمن بمبدأ المشاركه في الأعباء المنزلية فالرجل عادة يتوقف نشاطه عند التكفل بمصاريف المنزل ولا تمتد يده للمساعدة في الأعباء المنزلية حتى لو كانت زوجته تشاركه في المصروف المنزلي، والبعض قد يساعد ولكن بعيدًا عن أنظار الجيران! «البيت الكبير» توقف عند هذه المنطقة بغرض معرفة السبب وراء رفضهم دعم حواء في أعبائها التي لا تنتهي وذكرتني بمقطع كرتون يظهر «عنكبوت» وهي ربة منزل تغسل وتطبخ وتكنس وتحمل رضيعًا لأن لها أيادي كثيرة فماذا تفعل حواء بيدين فقط؟! «راجلك على ما تعودي» تقول الحاجة سكينة بوقار ستيني إن المسألة تعويد فالرجل في منزل أمه لا يعمل ويتزوج فتتحمل زوجته المسؤولية مما يجعله يستنكر فكرة أن يساعدها في أعباء المنزل. حدثني صديق إعلامي قبل سنوات أنه لا يمانع في مساعدة زوجته ويقوم فعلاً بالطبخ يوم الجمعة، وقد يغسل لها ملابسها إذا كانت مريضة، ولكن لديه شرطًا واحدًا ليفعل ذلك هو أن يُغلق الباب بالمفتاح حتى لا يفاجئه جيرانه وهو داخل «طشت» الملابس! ندخل معًا إلى المنزل من مكان عملنا المشترك يستلقي ليقرأ الصحف وأدخل أنا المطبخ.. بغضب هامس بدأت «ندى» حكايتها معنا وتواصل: أجهز الغداء وأعد الشاي وأغسل الأواني وقبل أن أستريح أجد نفسي أبدأ في دوامة غسيل أو كي ملابس العمل لأن لنا زيًا موحدًا دون أن يفكر في إلقاء نظرة مشفقة علي! ولا تختلف قصة «سوسن» عن ندى سوى أنها أكثر تعقيدًا بوجود ثلاثة أطفال أحدهم بالحضانة، يبدأ يومها مع صلاة الفجر بتجهيز الأطفال والذهاب للعمل والعودة لاصطحابهم وتدخل مباشرة المطبخ وتمضي أمسيتها في مراجعة الدروس مع أبنائها حتى جاء يوم أعلنت فيه التمرد وأدخلت مساهمتها في المصروف كأجر لعاملة أجنبية أزاحت عن كاهلها الكثير. وتروي نجلاء «عروس شابة» عن مشكلاتها مع زوجها بسبب الأكل الجاهز، تقول: أعود منهكة ذهنيًا وجسديًا فأنا أعمل مهندسة إنشاءات وهو موظف حكومي يمضي يومه في مكتب مريح، وأنا أظل مع العمال طوال النهار لا أقوى على دخول المطبخ حين أعود آخر اليوم أطلب دليفري فيصرخ ويعد لنفسه سلطة أو صحن فول ليُشعرني بسوء وتقصير دون أن يفكر في مساعدتي لنعد غداء مرحًا! يستنكر «سيد» أن تطلب منه زوجته مساعدتها في المطبخ أو البيت، ألا يكفي أنه والد وأب ويضيف: إذا عرف أصدقاء الرجال بذلك فسأصبح أضحوكة وحتى أهلها سيتندرون بي وسأفقد هيبتي. وأذكر أني كنت ضيفة على إذاعة البيت السوداني في موضوع اجتماعي تحدث الضيف عن المساواة والمساعدة فقلت له هل تقبل أن تحضر صديقات زوجتك إلى البيت فتعد أنت الطعام وتنادي عليها لأخذ الطعام لصديقاتها؟ فصرخ الضيف: «ياخ ما تصعِّبها كدا» وجاء اتصال للإذاعة من رجل غاضب في مداخلة يستنكر أن تقول الضيفة على الإذاعة مثل هذا الكلام المستفز عن إعداد الصينية، فكان الأمر كصب الملح على الجرح دون تذويق، وقوبلت بعاصفة جنونية من الرجال يومها. حتى برامجنا الكوميدية تصور الرجل الذي يورق الخدرة ويقطع اللحمة ويغسل العدة رجل مهزوز الشخصية تسيطر عليه زوجته بصوتها العالي وشراستها كأنه الوضع المثالي للرجل المتعاون رغم أن المجتمعات المتحضرة تتتعاون كما أخبرني السفير الصيني عندما حل ضيفًا عليَّ في برنامج ملح وملح إنه طاهٍ ماهر ومن يحضر إلى المنزل أولاً يطهو طعام الغداء ليس بالضرورة أن تكون زوجته. على عكس القصص السابقة لايرى خليل مانعًا في الطبخ لأنه كان يساعد أمه التي تأتي مرهقة فيعد معها طعام الغداء وكذلك والده يغسل الأواني كتعاون أسري مشترك لا يدخل في قائمة الرجل ضعيف الشخصية. إذا كانت حجة الرجال مجتمعية أو دينية فإن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام كان يعامل زوجاته برفق ويساعد زوجاته فى أعمال المنزل وذلك في وقت فراغه، فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها «كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة»، حيث تعني بقولها «مهنة أهله« أي «خدمة أهله» أي كان يقضي وقت فراغه مشتغلاً بخدمة أهله، فهو يخدم نفسه ويخدم أهله فيرقع ثوبه ويغسله ويصلح نعله ويعجن خبزه ويحلب شاته!» إذا كان ديننا حثّنا على التكافل فهل تكون هي أزمة مجتمع ذكورية؟!