طلع الصّباح... فما ابتسمتُ ولم يُنِرْ وجهي الصّباحْ وخرجتُ من جوفِ المدينةِ أطلبُ الرزقَ المُتاحْ وغمستُ في ماء القناعةِ... خبزَ أيامي الكفافْ... وأتى المساءُ... في غرفتي دلف المساء... والحزنُ يولدُ في المساء... لأنه حزنٌ ضريرْ... حزنٌ طويل... كالطريق من الجحيمِ إلى الجحيمْ... حزنٌ صموتْ... والصمتُ لا يعني الرضا... بأن أمنيةً تموتْ... لا تزال التجاربُ الناجحة في النهضات الوطنيَّة تشكِّل، مصدراً من مصادر إلهام النهضة الوطنية السودانية. تأتي في مقدمة تلك التجارب الناجحة التجربة الصينية، متعدِّدة الأبعاد الإبداعية. يجب أن تتواصل المدارسات عن تجارب النهضات الوطنية الناجحة، رغم إحباطات السياسة والإقتصاد، لكي نحافظ على شعلة الأمل وروح البناء عالية، بعد أن أفطرت الحركة الإسلامية على بصلة، وبعد أن أدخلها بعض أبنائها الحالة (الشارونِّية)، أي حالة آرييل شارون. الحالة (الشارونية) تُسمَّى طبياً الحالة (النباتية)، وهي حالة موت فعلي، رغم عدم الإعلان الرسمي عن الموت. يجب أن نحافظ على شعلة الأمل وروح البناء عالية بعد (شارونية) الحركة الإسلامية. يجب أن يكون شعار المرحلة (من كان يعبد الحركة الإسلامية فرع المؤتمر الوطني، فإن الحركة الإسلامية فرع المؤتمر الوطني قد ماتت. ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت). إذا ماتت الحركة الإسلامية فرع المؤتمر الوطني، فإن الحركة الإسلامية الوطنية (التيَّار العام) ما تزال تضجُّ بالحيوية والمستقبل. يا صاحبي إني حزين... هكذا كتب قيثارة الحزن النبيل صلاح عبد الصبور. تلك الصورة الإنسانية الأسوانة المفعمة إحساساً والمُترفة نبلاً، مثلما كانت تنطبق على ماضي الإنسان في الصّين، ماضي الفقر والإستلاب الخارجي السياسي والإقتصادي، العسكري والفكري، فهي كذلك تنطبق على إنسان السودان اليوم. في تجربة الصين بعد جيلين من أجيال ، أصبحت الصِّين على مشارف الصدارة العالمية. في ليالي الفرح الخضراء في الصّين الجديدة، لا حزن ولا يحزنون. يقود انطلاقة الصّين إلى الصدارة الدولية الحزب الشيوعي الصيني بعضوية تبلغ (80) مليوناً. كل تنظيم أو فعالية صينية هي عملاقة بالضرورة. في الطيران الصين لها تسع شركات خطوط طيران. لكن التواضع وهدوء الرجل العادي والأفعال التي تعلو على الأقوال تظل سمت الإنطلاقة الصينية. على سبيل المثال مدينة (تينجين) والتي تبعد عن العاصمة بكين (170) كلم، ربما لا يعلم البعض عنها شيئاً. بينما هي ثالث أكبر مدينة في الصين، وثاني أسرع المدن الصينية نموَّاً. يبلغ سكانها عشرة ملايين نسمة. مبنى صحيفة (تينجين ديلي) التي تأسست عام 1949م يبلعغ (37) طابقاً، وتوظِّف آلافًا، ويعمل في قسم النشر الإلكتروني بالصحيفة (200) موظف. تصدر الصحيفة في (16) صفحة. يمكن الوصول من (بكين) إلى (تينجين) بواسطة قطار سرعته أكثر من (300) كلم في الساعة. (القطار السريع صناعة صّينية). محطة القطار في جنوببكين ومحطة القطار في تينجين تضاهي أكثر مطارات العالم جمالاً. العاصمة (بكين) ينطقونها (بيجنج Beijing )، وتعني عاصمة الشمال. الخطوط الجوية الإماراتية تجاوبت مع الإنطلاقة الإقتصادية الصينية حيث لديها (37) سفرية أسبوعياً. في متحف القصر الإمبراطوري تشهد سياحة داخلية حافلة. زوار المتحف من الصينيين القادمين من كل الولايات وكل الأعمار ينفعلون بتاريخهم بنبض وطني حار، كأنهم في اليوم الأول لاستقلال بلادهم. تلك الكهرباء الوطنية الهادئة تسري بوضوح في الشعب الصينيّ الوديع. في سوق (ياشو) السياحي الشهير في بكين يبيعون فقط منتجات الفن الصيني والوجدان الصيني. أسعار الفنادق خمس نجوم لليلة الواحدة مائة دولار. الصّين الجديدة منفتحة على التصميمات المعمارية الجديدة في مبانيها الحديثة، حيث تغلَّبت بوضوح الحداثة على التراث. صمَّم (عش الطير) الأوليمبي الصِّيني مهندس معماري بريطاني. قال المترجم إبراهيم الصينيّ الذي يتحدث العربية بطلاقة إن الشعب الصينيّ يؤمن بإله خالق جبار اسمه (شِنِِ). سألته أين يوجد (شن) وفق معتقداتهم؟، قال في السماء. صحيفة (الشعب) الصينية تأسست عام (1948م)، وظلَّ يكتب فيها كبار القادة بدءًا من الرئيس الراحل (ماوتسي تونغ) الذي أعدَّ أربعة تصاميم ل (لوقو) الصحيفة عند إنشائها، وطلب منهم اختيار واحدٍ منها. وقد اعتاد زيارة الصحيفة كل الرؤساء الصينيّين بدءًا من الرئيس (ماو) حيث يلتقون بالصحفيين العاملين. في السودان لا يزور رئيس صحفيين أثناء عملهم بسبب الظروف!، وفعلاً قد تكون الظروف (بطَّالة)!. جثمان الرئيس (ماو تسي تونغ) محنّط وأصبح مزاراً، مثلما أصبح الجثمان المحنط للزعيم (هوشي منه) في العاصمة الڤيينامية هانوي، وجثمان الزعيم (كيم إيل سونغ) في عاصمة كوريا الشمالية (بيونغ يانغ). نواصل المشاهدات في الصّين الجديدة.