د. أزهري مصطفى صادق جامعة الملك سعود في كثير من دول العالم، خاصة التى لا تمتلك تاريخاً ضارب الجذور كالسودان، يُحتفى بالتراث الثقافي، وتتم المحافظة عليه والترويج له وتضخيمه الى حد كبير، ونقله الى الاجيال اللاحقة بجعله مادة دراسية رئيسة في رياض الاطفال والمدارس والجامعات، وتقام له المعارض والاحتفالات والأعياد القومية. ويدرك المواطن العادي أن هذا التراث يسجل مسيرة وجودية وحياتية للإنسان في بلاده أينما كان في أي مكان وزمان، بل يعد نفسه جزءاً منه وأنه مشارك فيه، سواء في محيطه المحلي أو في إطار الحضارة العالمية التي يراها امتزاجاً ثقافياً متصلاً يكمّل بعضه بعضاً، رغم شتاتها الجغرافي وتعدد منابتها. وهذا نتاج طبيعي، لأن التراث البشري يفهم ويمارس بطريقة صحيحة باعتباره ذا صلة بتقدم الشعوب، وله تأثير كبير على الكيانات الاجتماعية والثقافية. وما لا يدركه الكثيرون أن أغلب هذه الشعوب، إذا قارناها بما نمتلكه من إرث أثري وثقافي وتراثي عميق الجذور، قد لا يتعدى تاريخ وجودها في أرض معينة سوى آلاف بل مئات قليلة من السنوات. وفي الجانب الآخر يعرف السودان بأنه واحد من أهم مراكز الوجود البشري القديم في العالم، ولا يستثنى في أي كتاب أو مقال أكاديمي عندما يتعلق الأمر بقصة الإنسان وتطوره الثقافي، بل حتى أنه مازال يمثل للكثير من الباحثين سجلاً قد يُكمل حلقات عديدة غير مكتملة في مسيرة البشرية وتطورها، مع تميزه بالموقع الجغرافي الاستراتيجي وامتداده بإقليم شرق إفريقيا، أحد أهم مناطق البحث الآثاري في العالم. وفي أوائل القرن العشرين احتفت الأوساط الأثرية باكتشاف مثير في منطقة صغيرة بالقرب من سنجة بجنوب النيل الأزرق أطلق عليه اسم «جمجمة سنجةSinga Skull»، ورأى الكثيرون أنها تمثل حلقة مهمة في دراسات الإنسان في العالم في ما يعرف بالعصر الحجري القديم. واكتمل هذا العمق التاريخي الطويل باكتشاف حديث لأدوات وبقايا قديمة في جزيرة صاي ترك صدى أكبر بين الأوساط العلمية في العالم، واعتبر من أقدم ما عرف من آثار تركها الانسان على طوال وادي النيل. وقد احتفى الاجانب بهذين الاكتشافين لسنوات طويلة، ومثلا مادة دسمة للتحليلات والافتراضات المتعلقة بقصة وثقافة الإنسان في وادي النيل وشمال إفريقيا. لقد نظروا لإنسان سنجة وأدوات صاي على انهما دليل على انطلاق الإنسان القديم من وادي النيل السوداني ليكتشف العالم من حوله، حاملاً ثقافته وإرثه البشري.. والقليلون سمعوا بهذين الاكتشافين في سوداننا الحبيب، ولم يكونا يوماً في قصص التراث المجتمعي او حتى أساطيره. وفي العرف البشري انهما ليسا إرثاً سودانياً فحسب، بل يعدان جزءاً من موسوعة قصة الإنسان القديم وإنجازاته الكبرى. وللحديث صلة. للتواصل: www.azharisadig.blogspot.com