يتحدث الناس في السودان من المسؤولين الذين زاروا ماليزيا بإعجاب كبير بالتجربة الماليزية، وهم محقون في ذلك، لأن النهضة التي حدثت في ماليزيا منذ الثمانينيات من القرن الماضي لا تخفى على عين. لقد تحولت ماليزيا من اقتصاد زراعي متواضع إلى اقتصاد صناعي يضاهي اقتصاد دول صناعية سبقتها بسنوات وبمراحل. وكان الناس يتساءلون باستمرار بعد مقارنة إمكانات السودان الهائلة بإمكانات ماليزيا، وإننا قد نلنا استقلالنا قبلهم، ما الذي يمنع السودان من النهوض مثلما نهضت ماليزيا؟ الإجابة في غاية من البساطة.. الإمكانات مهما كان حجمها لا تصنع نهضة. ولا الرؤية السليمة والتخطيط السليم يمكن أن تحدث نهضة.. الذي يحدث النهضة ويجعلها ممكنة هو الاستقرار، فالاستقرار يوفر المناخ الملائم لكي تجد الإمكانات حتى ولو كانت بسيطة طريقها لتصبح واقعاً معيشاً.. صحيح أننا حصلنا على استقلالنا قبل كثير من الدول، ولكننا أضعنا وأهدرنا وقتاً كبيراً في منازعات الحكم والسيادة. ولم نحسن تصريف أمورنا السياسية لنتفرغ لترسيم خططنا التنموية. ووصلنا إلى نهاية الشوط ونحن نتوجس خيفة كل مرة وأخرى من أن تطب علينا جماعة ذات مطالب في الحكم الذي «لا يودي ولا يجيب» وبرزت صورتنا أمام العالم ونحن نحمل ملامح سلحفاة مذعورة تنكفئ كل دقيقة وأخرى داخل قدحها وداخل تاريخها دون هدىً أو دستور مبين.. فكيف ننهض ونستثمر أو نساعد الآخرين على مساعدتنا على الاستثمار في هذه الأجواء المتوترة. وكما قالت لي امرأة صينية كانت تعمل في الشركة الصينية للبترول في وظيفة قيادية: أنتم السودانيين قوم طيبون، ولكنكم تعانون من مشكلة هي أم المشكلات التي تجعل تقدمكم صعباً إن لم يكن مستحيلاً. لقد لاحظت أنكم دائماً في صراع مع من هو أعلى منكم في الدرجة الوظيفية.. فرئيسك هو عدوك. Your boss is your enemy والعمل بهذا السلوك لا يمكن تنفيذه.. والطاقات تهدر في صراعات لا تنتهي. فإذا انتصرت أنت على رئيسك فمن هو تحتك في السلم الوظيفي يبدأ حرباً معك. ولم أجد أصدق من تشخيص لحالتنا مثل هذا التشخيص من شخص ينظر إلينا من الخارج. ولذلك لن نستطيع أن ننهض مثل ماليزيا ما لم نحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي والنفسي. وقد وجدت في أوراقي قصيدة عصماء للأخ الشاعر شمس الدين حسن الخليفة يقول فيها: بحر أحزان طمح غرق أراضي الفرحة حرق الخضرة بالأشجان بحر هدم مباني أملنا خلى الواعي في الدرب العديل ضهبان والماسك الدرب وحلان بحر أمواجو من فيض الدموع جارية من جوه القلوب فوق الأرض وديان لا ها بتروي للعطشان ولا ها بتطفي للنيران نيران نحنا بإدينا ولعناها بعنادنا وبدون تفكير قعدنا نزيدها في العيدان بلادنا الغالية كانت في زمانها جنان بلاد خيراتا في كل الفصول ألوان ربيع دايم عليها الغيم فرد جنحاتو أهداها الندى الشايل سلام وأمان كيف إتبدلت أحوالا؟ يبست صيفت صارت كئيبة وللحروب ميدان؟ أنيسها طفش والقاعد من الفزع المرير طفشان وفي أرضو السخية جيعان جفل بقرو وصمت وترو وطاشت ضحكة العرسان والبلد الغنية العامرة عشش في ربوعها خراب والطير الأليف هاجر هرب أسراب سكت تغريدو في الأغصان بقى صوت الرصاص والدانة هو الألحان خلاص لا تسمع أجراس فيها لا تتصنت الأذان!! والليلة الخدار الكان ندي ونعسان زي أسيادو أصبح بالقلق سهران ديار كانت وديعة مسالمة فيها أمان وناسها حنان شايله من الطبيعة الزاهية أوصاف.. من جمالها إتكون الإنسان ليه بس الخلاف يحكمنا؟ دون ما نحن نتفاكر ما نحن اتخلقنا من الأزل أخوان وكنا بنهدي غيرنا زمان «وكنا بنصلح البتعادوا» مالنا الليلة ضلينا وفقدنا دليلنا؟ وجهنا السلاح لصدورنا؟ فرجنا البعيد والدان؟ نحن بلدنا لو أخلصنا واتصافينا سايعانا.. وتفيض خيراتها للقاصين وللجيران المدفع محال ينتج محال يجلب سوى الأحزان كيف دايرين بلدنا من الحضيض تنهض؟ إذا فكرنا نحن نعلي بنيانها وبعضنا يهدم البنيان؟ نحن الليلة في زمن الحضارة الواعية شفنا برانا كيف بالوحدة بالفكر السليم يتقدم الإنسان الناس البعاد بتحدوا يصبحوا قوة ليها كيان نحن بلد صميم واحد ليه بعنادنا نتقسم؟ نصير كيمان؟ مالنا وجهدنا وأرواحنا هدراً تاكلا النيران ونتمادى وعنادنا يزيد ويبقى بلدنا هو الخسران نحن مصيرنا في إيدينا نبقى كبار نوعي اللاهي والغفلان من قبال يغِرق أرضنا الطوفان تعالوا اتلموا أقعدوا بالتفاهم وبالحوار الواعي حصّلوا أنقذوا السودان عشانو وبس لازم يعترف بغلطتو الغلطان وإيد في إيد نسير لا تار ولا أضغان وبي روح طيبة نتناصح والباب البجيب الريح نسدوا خلاص.. نيالا تعانق أم درمان وكادوقلي الوديعة.. تغني لحن الألفة.. لحن الحب.. لبورسودان نشيد الوحدة في البركل يدوي صداه في قيسان وبالإصرار وبالإيمان أكيد نستأصل السرطان وتتعافى البلد تنهض يسير.. يتقدم السودان نضوق خيراتو ننعم بسلام وأمان يعود طيرنا المهاجر للبلد فرحان ونحن نهز ونتلقاه بالأحضان نلم طاقتنا للإنتاج بعد قاسينا نار الفرقة والحرمان ونرجع لي زمنا الكان ما نحن الكرام وحنان ونحن الخلوة للضيفان ونحن منارة للضهبان ونحن سياد فطور رمضان نمد إيدينا للحبان الدايرين صحيح الرفعة للسودان ونهتف بالفم المليان: