سياسة التمكين التي انتهجتها الإنقاذ في بدايتها والتي خططها وأمر بها دهاقنة النظام ظنًا منهم أنها الطريق لتثبيت أركان الحكم بالتأكيد كانت مدخلاً للمحسوبية والجهوية والشللية، وقُدم فيها أصحاب الثقة على أهل الكفاءة، وكان نتاجها أن أفرزت المحاور والشلليات وما صاحبها من شد وتجاذب بين هذه المجموعات التي وصلت مرحلة الكيد لبعضها بصوت خافت في البداية وبشيء من الدهاء والحيلة في كثير من الأحيان. ولكن المتابع يلاحظ أن الهمس أضحى جهرًا وأن الدهاء والحيلة أمسى مواجهة مباشرة وصلت مرحلة العمل المسلح لقلب نظام الحكم وتصفية الحسابات مع أشقاء الأمس وزملاء الجهاد إن صحت المعلومات الأخيرة عن المحاولة الانقلابية التي اُعتقل بسببها الفريق أول صلاح عبد الله قوش والعميد ود إبراهيم، وهما من كوادر الحركة الإسلامية المدربين فكرًا وبدنًا، ومن الكوادر القيادية التي يعتمد عليها كلٌ في مجاله. والمتابع يلاحظ أيضًا حالة الضعف الكبيرة التي تعاني منها جميع أحزاب المعارضة وخاصة الأحزاب التقليدية القديمة، الأمة والاتحادي الأصل والحزب الشيوعي، ويتأكد أن هذه الأحزاب مهما خرجت بمسميات تجمعها تحت قبة المعارضة وتوحدها تحت هدف إسقاط النظام، فهي تظل غير قادرة على الفعل وتكتفي برفع الشعار فقط، كما تحاول من فترة لأخرى خلق جلبة وضوضاء محدودة من أجل التأكيد أو التذكير بوجودها كمناداتها بالاعتصام بالميادين أمام سفارات السودان بالخارج، أو توقيعها على اتفاقيات أو مذكرات تفاهم مع ما يسمى تجمع الحركة الثورية أو ما يسمى قطاع الشمال، أو أية حركة من حركات دارفور المسلحة. وقديمًا راهن تجمع القاهرة على تحالفه من الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق لإسقاط النظام بالعمل المسلح، مما جعلهم يحملون الحركة الشعبية على أكتافهم ويسوقونها من على كل المنابر العالمية المتاحة لهم وهم على يقين بأن الحركة الشعبية هي طريقهم إلى كراسي الحكم، في حين أن الواقع والوقائع أثبتت للمعارضة أن الحركة الشعبية كانت أكثر ذكاءً منهم والأكثر استفادة من هذا التحالف المبني على المصالح المتناقضة. والثابت أن الحركة الشعبية عندما استنفذت أغراضها من التجمع رفضت مشاركته في مفاوضات نيفاشا رغم طلب المؤتمر الوطني وقبوله بذلك. والآن ومرة ثانية ولضعف وتفكك الأحزاب السياسية وعدم مقدرتها على الفعل ترتيبًا على عدم قدرتها على ضبط تنظيماتها الداخلية وبالتالي اختلال إيقاعها، ها هي مرة ثانية تراهن على تحالفها مع الحركات المسلحة أو تجمع كاودا والحركة الثورية، وتمني نفسها بأنها ستأتي حاكمةً على ظهر هذه الحركات، ومكررة نفس الخطأ الاستراتيجي السابق، ناسية أو متناسية أن هذه الحركات لها أجندتها الخاصة غير المعلنة، ولها نظرتها الخاصة حول هذه الأحزاب وقياداتها. وما تحالفها الحالي إلا تحالف مرحلة وتكتيك وقتي مرتبط باستراتيجية مخططة. والشاهد في الموضوع أن كل التحالفات والاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تنشط أحزاب المعارضة في إنشائها وتوقيعها لا تشكل خطرًا على النظام القائم وقد تقويه أكثر مما تضعفه، ولكن يظل الخطر الماثل هو خلاف الحركة الإسلامية الداخلي وحالة التملل والتجاذب والتمحور بين كوادره الأساسية ومفكريه وتباين وتباعد الرؤى والأفكار. وفي تقديري لا بد أن ينبري للأمر أصحاب الكلمة وأهل الدراية ليعيدوا تربية الكوادر كما كانت تربية إسلامية صحيحة تحثهم على الزهد في الدنيا والبعد عن أضواء السلطة، ما لم يكن تكليفًا مدروسًا ولا مناص من الفكاك منه، وفوق كل ذلك تحملهم لبعضهم بسمو وتسامح يفضي للإجماع، مع الحسم عند الضرورة والقدرة على التنفيذ في الوقت المحدد والمناسب، مع ضبط اللوائح جيدًا وتطبيقها تطبيقًا يحقق مقاصدها وفقًا للشرع ومصالح العباد. كسرتان الأولى.. اللهم ولِّ عليَّنا خيارنا دينًا وخلقًا وأخلاقًا وعدلاً وزهدًا، ونجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.. آمين. الثانية.. لا نريد دولارًا واحدًا قبل فك الارتباط والانسحاب وضبط الحدود.