لا يخلو منزل من المشكلات لكن التطرق لمناقشة هذه المشكلات بين الزوجين أمام أطفالهم يؤدي إلى عواقب وخيمة قد لا يتخيلها الأزواج، فهم أثناء مناقشتهم لهذه المشكلات ينسون أو يتناسون وجود أطفالهم وتحدث المناقشة التي قد تتطور إلى شجار، ورؤية الأطفال لوالديهم بهذه الحالة تسبِّب لهم القلق والتوتر وكثيرًا من الأمراض النفسية، وهو الوتر الحساس الذي دائماً ما يتناوله الأطباء النفسيون ويطرقون عليه بقوة، وتجنباً لهذه العواقب يجب على الزوجين أن يبتعدا عن أبنائهما عند مناقشة مشكلاتهما، حول الخلافات الزوجية وأثرها على الأطفال أجرينا هذا التحقيق حيث أوردنا فيه عددًا من حالات الأطفال الذين تأثروا بخلافات والديهم مع الأخذ في الاعتبار رأي الطب النفسي. تحقيق: هالة نصر الله معاناة الأطفال «ميمونة» طفلة في التاسعة من عمرها أصابها مرض نفسي يتمثل في خوف شديد نسبة للشجار الدائم بين والديها، فهي دائمًا ما ترى والديها في حالة شجار ويذهب والدها لأبعد من ذلك ويقوم بضرب والدتها أمامها، وتكرر ذلك المشهد أمامها كثيراً ولم ينتبه والداها في بداية الأمر لحالتها لكن عندما استفحل المرض بها صارت تلزم الصمت ولا تتحدث، حاول والداها التحدث معها لكن دون فائدة فقاما بعرضها على الطبيب الذي أفادهما بأنها تعاني من حالة نفسية تستوجب عرضها على طبيب نفسي. أما «مرام» التي تبلغ من العمر إحدى عشرة سنة فلا تختلف قصتها كثيراً عن «ميمونة»، فهي ترى والديها في حالة خلاف دائم ومشكلاتهما لا تنتهي لكنها كانت تقف مع والدها أثناء الشجار وتتشاجر مع والدتها بسببه وتنصح والديها بعدم الشجار لكن دون فائدة، فقررت الهروب من المنزل، وبالفعل قامت بالهروب عند أحد أقربائها، لكن علم والداها بمكانها وأرجعها للمنزل ولم يتوقفا عن الشجار وكانت الخلافات بينهما متصاعدة والجو داخل الأسرة دائماً متوتر، فقررت «مرام» الهروب لكنها هذه المرة قامت بالاختباء بحي بعيد جداً عن الحي الذي تسكن به، ولم تفلح أسرتها في العثور عليها حتى بواسطة الشرطة، وفي أحد الأيام وعند ذهاب عمها لمكان عمله بالسوق وجدها تشحذ أحد المارَّة بالسوق فقام بإرجاعها للمنزل، وعند عودتها أخبرت كل الحاضرين بالمشكلات التي تحدث بين والديها، وقالت إنهما إذا لم يتوقفا عن هذه المشكلات فسوف تخرج دون عودة. أما «علي» وهو طفل في الخامسة من عمره انفصل والداه لكنه في حالة سؤال دائم عن والده.. فقد أخبرني أنه يشتاق لوالده ويريده أن يمكث معهم في البيت، ولماذا هو بعيد عنهم فهو يرى كل أصدقائه يعيشون مع والديهم ويريد أن يكون مثلهم، وأنه ذكر ذلك لوالده فوعده بالرجوع للمنزل لكنه لم يرجع وأنه فقد الثقة في والده فهو يكذب عليه بوعده بالرجوع لكنه لا يفعل. نصيحة للأزواج تقول سامية عوض «موظفة» وأم لثلاثة أطفال: الخلافات الزوجية تتفاوت درجاتها ومستوياتها وأيًا كان نوعها لابد أن يكون الأطفال بعيدين عنها حتى ولو كانت في درجة المناقشة لأن الأطفال لديهم حساسية أكبر فهم حساسون جداً ولديهم طريقة في التفكير قد تهديهم إلى أن والديهما يكرهان بعضهما البعض وقد يتحيز بعضهم لأحد والديه فيكره الثاني فكثيراً ما يتحيز الأبناء لجانب أمه في أي خلاف بين والديه ويعتقد أن والده ظالم ويقسو على والدتهم وبالتالي يكرهونه، لهذا من أساليب التربية الصحيحة أن لا يكون الخلاف أو النقاش بين الوالدين أمام الأطفال لأنه ينعكس سلباً على تربيتهم وسلوكهم ويولد لديهم الكراهية للطرف الأكثر تمسكاً وإثارة لمثل هذه الخلافات، ونصيحة مني لكل الأزواج أن يبتعدوا بخلافاتهم عن أطفالهم حتى يضمنوا جوًا وبيئة نظيفة وسليمة نفسياً لأبنائهم. الخلافات تسبب نقص تكوين الطفل يوضح د. طارق محمد طيب الأسماء عثمان «اختصاصي نفسي»: أن السنوات الأولى من حياة أي طفل تعتبر هي الأساس في تكوين شخصية الطفل في المستقبل، ومهمة أيضًا في تكوين تكامل شخصيته النفسية والاجتماعية، لذلك فإن الخلافات الزوجية تضفي على حياة الطفل العديد من السمات والمظاهر السالبة التي تظهر في صورة سلوك يعبِّر عن قصور ونقص في تكوين الطفل النفسي، ويبرز مثل هذا السلوك في شكل رغبات وأشياء مكبوتة مثل ظهور الخوف المكبوت في صورة قلق، والبغض المكبوت في صورة عدوان أو نوبات غضب غريبة، وظهور عقد النقص في صورة تخاذل أو عدم ثقة بالنفس أو خجل مكبوت يظهر في صورة حيرة وتردد. عزلة وصعوبة تعامل مع الآخرين ويبيِّن د. طارق أن الصراعات بين الزوجين تؤثر على الأطفال بشكل كبير ويظهر تأثيرها عند الأطفال في صورة سلوك انطوائي Introvert ويتميز هؤلاء الأطفال بتفضيل العزلة والابتعاد عن الناس ويجدون صعوبة في التعامل مع الآخرين من المحيطين بهم فيُقصر الطفل تعامله على عدد قليل من معارفه ويتحاشى في المستقبل تكوين الصلات الاجتماعية، يقابل المنطوي الغرباء بحذر وتحفُّظ شديد فينشأ الطفل خجولاً شديد الحساسية لملاحظات مَن حوله ولو بطريق المزاح، ينجرح شعوره بسهولة، شديد القلق على ما قد يأتي به الغد من أحداث ومصائب، ينشأ الطفل متقلب المزاج دون سبب واضح، لا يعبِّر عن ما يريده بوضوح، سهل الوقوع في المشكلات، سهل الانقياد لا يملك رأيًا، وإذا كثرت الخلافات الزوجية وازدادت حدَّتها قد تقود الطفل الذي ينشأ في مثل هذه البيئة إلى الوقوع في المشكلات والاضطرابات النفسية.