المتتبع للاقتصاد السوداني منذ الاستقلال والى ما بعد عام 1984م يعرف جيداً أن مشروع الجزيرة كان العمود الفقري لاقتصاد السودان والداعم الرئيس لكل الوزارات الخدمية من تعليم وصحة وغيره في السودان. وكان يجمع عدداً مقدراً من أبناء السودان شماله وغربه وشرقه وجنوبه دون تمايز لقبيلة أو عرق. وفي ذلك دلالة على سماحة أهل السودان وتعايشهم السلمي. ولم يحتكر التوظيف في المشروع على أبناء الجزيرة وحدهم، ولم تخصص أرباح المشروع لتنمية الجزيرة، بل كانت تصب في خزينة الدولة لتغذى موازنة جميع الولايات. وقد أصبحت الموضة في هذا العهد أن كل من يكتشف في منطقته معدن سواء كان بترولاً او ذهباً لا ينظرون إليه بوصفه ثروة قومية بل الأولوية لأبناء المنطقة في التوظيف وللمنطقة في التنمية، ولم تكن في السودان منطقية ولا قبلية والكل أبناء السودان. وتعمد القائمون على الأمر في السودان إهمال المشروع والزراعة، وجروا وراء البترول الذي لم يهنأ به السودانيون كثيراً حتى أتت طامة الانفصال، متناسين أن الزراعة من الموارد التي لا تنضب، وقد كان هذا المشروع يتكون من «23» قسماً إدارياً ممتدة من ود الحداد جنوبا إلى كاب الجداد شمالاً، ومن ود الفضل شرقا إلى سقدى غرباً، وكل قسم يحتوى على وحدات إدارية صغيرة تسمى «التفاتيش». وكل تفتيش يحتوى على مكتب به عدد مقدر من الإداريين والفنيين الزراعيين ومجهز بالمستودعات لاستقبال التقاوي والسماد وسيارات لمتابعة العمليات الزراعية. وكان العمل في المشروع مثل عقارب الساعة في الدقة والانضباط. ونتاج كل هذا الخير لخزينة الدولة والمزارع الذي لا ننسى فرحته يوم صرف أرباح القطن أو القمح. ومن هذه العائدات يقتاتون ويتعالجون ويعلِّمون أبناءهم ويزوجون من بلغ سن الزواج وتعم الأفراح. فأين أبناء الجزيرة اليوم من كل هذا والجزيرة تسجل أعلى نسبة فقر بين ولايات السودان تجاوزت نسبة 60%؟ أين أبناء الجزيرة الذين ينتمون للمؤتمر الوطني والمشاركون في الحكومة وهم كثر؟ ولماذا لم يسعوا لدفع الظلم عن أهلنا الطيبين؟ أم أنهم مؤتمر وطني درجة ثانية؟ خلاصة القول أن علاج المشكلة بحسب وجهة نظري يكمن في الآتي: 1/ إدارة راشدة للمشروع كما كانت في السابق. والاستعانة بخبرات أبناء السودان من زراعيين وإداريين. وجدير بالذكر أن الزراعيين ضاعت هيبتهم في هذا العهد كما ضاعت هيبة المعلم، علماً بأن كثيراً من أبناء السودان يفضلون مهنة التعليم والزراعة على الطب. 2/ عودة الإدارة العامة للري والحفريات كما كانت، ولا غنى للجزيرة بورت عن الري فهي مثل الروح للجسد. 3/ عودة المنافسة بين أبناء الجزيرة في الإنتاج، والاحتفال بكأس الإنتاج، وإشراك الطلاب في عمليات الحصاد كما كان في السابق.