ما دفعنا للكتابة في هذا الموضوع هو وقوفنا على حجم المعاناة والتلتلة التي يعانيها غالبية الصحافيين المفتوح ضدهم بلاغ نشر صحفي أثناء مرحلة التحريات عندما يطلب منهم المتحري في البلاغ إحضار مستند معين أو أوراق معينة مهمة وضرورية لعمل التحريات، وتكون مشكلة الصحفي في صعوبة العثور على مثل هذه المستندات. ومثل هذه القصة تبدأ عادة بنشر الصحافي مادة في صحيفته، يتضرر منها شخص ما فيلجأ لنيابة الصحافة لفتح بلاغ ضده، ويأخذ المتحري أقوال الشاكي ومدى الضرر الذي لحقه جراء النشر، بعد ذلك يقوم المتحري بإبلاغ الصحافي «بأمر تكليف مكتوب أو اتصال هاتفي» بالبلاغ وطلبه المثول أمام سلطاته أو سلطات وكيل النيابة، وذلك لعدة أشياء منها: الاستيثاق من المادة النسوبة إليه، ثم قوله في ما نُسب إليه، ثم الأسباب التي دفعته للكتابة بهذا الأسلوب، ومدى قصده الجنائي من ذلك، وعلى ماذا اعتمد في الكتابة هل على مستند رسمي أم عُرفي أم على أوراق أم على كلام شهود أم ماذا..؟ إلى آخر تلك الأسئلة القانونية، وفي هذه الرحلة الشاقة يذهب أغلب الصحافيين لوحدهم، دون محامي الصحيفة الذي لا يكون عالماً بأمر البلاغ نفسه! وقد ذكر لي عدد كبير من زملاء المهنة الذين يعملون بعدد من الصحف أنهم يدخلون في «حيص بيص» عندما يذهبون لوحدهم لمقابلة المتحري في البلاغ، وخاصة عندما يطلب المتحري من الصحافي المشكو ضده جلب المستند أو الأوراق أو الشهود الذي استند عليهم في الكتابة، بينما تكون تلك المطلوبات ليست في حوزته وقت التحريات فتبدأ معاناته الثانية بالبحث عنها وتسليمها للمتحري حتى يتحسن وضعه أو مركزه القانوني أمام الشاكي، فيرجع إلى صحيفته فلا يجد المستند أو التقرير! ليزداد معدلّ القلق و«التنشنة» لديه. وسنضرب مثلاً بتقرير «بذرة زهرة الشمس»، فبعد أن ناقشه البرلمان وقال فيه قول مالك في الخمر تناولته الصحف بالتعليق، وعند النشر قامت بعض الجهات التي ادعت التضرر منه بفتح عشرات البلاغات ضد الصحف والصحافيين، وهذا أمر طبيعي مشروع أن يلجأ المضرور للقانون.. ولكن عندما طلب المتحري من الصحافيين إحضار نسخة منه رجعوا إلى البرلمان مصدر وجوده فلم يعثروا عليه! وقد ذهبت شخصياً ولم أجد نسخة منه، بل حتى لجان البرلمان المتخصصة مثل الشؤون الزراعية ومكتب الإعلام والعلاقات العامة، ذكروا لي بأنه لا توجد لديهم نُسخ من التقرير، وحتى المتبقي منه جاءت «جهة ما» وأخذته!! بعد ذلك تواصل مسلسل البحث عن ذلك التقرير الملعون، فلجأ الصحافيون إلى زملائهم بالصحف الأخرى لعل وعسى أن ينقذهم أحدهم في الدقائق الأخيرة! خاصة مع دنو أجل الزمن المضروب من المتحري بتسليم التقرير، وإلاّ ربما تضعك النيابة في الحراسة والنظر في أمرك.. فكيف تتهم أناساً بدون مستند أو دليل؟ الهدف أو الرسالة من هذا العمود هو تقديم عدة مقترحات.. أولها أن يأخذ الموضوع نفسه «البلاغ ضد الزميل» شكل الخبر، أي يتم إبلاغ الزملاء في الاجتماع الدوري بما حدث للزميل الفلاني بأنه تمّ فتح بلاغ ضده من الجهة «الفلانية» بخصوص الموضوع «الفلاني»، ثانياً إبلاغ المحامي بأعجل ما تيسر لمقابلة الصحافي وإجراء الترتيبات القانونية معه، ثالثاً البحث مع الصحافي عن كل الأدلة أو المستندات أو الأوراق أو الشهود الذين طلبتهم منه نيابة الصحافة.. بهذه الصورة سنضمن الوقفة الجماعية معه، وينتابه نوع من الاطمئنان خاصة أن الصحافة هي مهنة أو عمل جماعي وليس عملاً فردياً، لذلك يجب التطبيق العملي لروح التضامن مع الصحافي المفتوح ضده بلاغ نشر، أخيراً يجب خلق آلية أو كيفية للاحتفاظ بمثل هذه التقارير الرسمية حتى يسهل الحصول عليها عند الحاجة إليها، وأعتقد أن سكرتير التحرير التنفيذي لأية صحيفة هو الأنسب لحفظ مثل هذه المستندات والسعي لتوفيرها من جهاتها والاحتفاظ بها، على الأقل لمثل هذا اليوم.. فماذا يفعل الصحافي أمام جهات رسمية «مثل البرلمان» تصدر تقريراً وتناقشه، ثم تختفي نسخ هذا التقرير فجأة.