لعلنا لا نخطئ إن قررنا أن منطقة الماطوري بعثت من جديد بل هي الآن جديدة كل الجدة حيث ساد تفكير جديد صعدت معه قناعات تسعى لتأكيد التآلف والتضامن ولذلك دوره في العافية الاجتماعية التي تعيشها المنطقة الآن حيث انعتقت ولم تعد (طريشة) ومن ثمار ذلك دخول المنطقة بأسرها في اتحاد كبير لايأتيه الباطل ولا تقربه أيادي الاختلاف والفضل في ذلك يعود للدكتور نافع علي نافع الذي استطاع إحياء أكثر من ستين قرية بعدما أضحت رمادًا حيث باتت تتمتع بخدمات المدن من لدن الكهرباء إلى المياه عبر الحنفيات بعد أن كنا نجلبها على الرؤوس، فنحن مدينون لهذا الرجل بجزيل الشكر، فهو ربان اليقظة الشاملة التي انتظمت المنطقة ولا يفوت علينا أن هناك من لفت الانتباه والاهتمام الحكومي حيث نجحت كوكبة من أبناء المنطقة في تقديمها وإبراز قضاياها على النحو الذي استقطب الدعم وأوجد التعاطف والإنصاف فدرجة انفعالهم بهموم المنطقة فوق التصور علاوة على أولوياتهم المرتبة التي تشكل إعادة صياغة المنطقة وفق الواقع الذي أفرزه التحول الجاري فيها وفي سياق سعي هذه الكوكبة لأن تسود في المنطقة حياة جديدة توفرت أسبابها بقدر كبير وليس بعيدًا عن الصحة أن هناك أكثر من خمسين مدينة آخذة في الظهور السريع فمستقبل المنطقة بفضل موقعها يبشر بالكثير.. ما دعاني لإقرار ما ذهبت إليه إنني التقيت بقيادة هذه المنطقة في عطلة عيد الفطر حيث ينفذ اللواء أحمد المصباح رائد النهضة الشاملة للمنطقة زيارات معايدة لأعضاء جمعية الماطوري الخيرية التي تضم إلى جانبه الأستاذ أحمد علي إدريس وممثل المنطقة في المجلس الوطني الأستاذ علي موسى وكذلك المهندس محمد حسين أحمد فهذه الجمعية التي تضم أيضاً الفقيه إمام مسجد القصر الأستاذ الزين أحمد خير أنجزت ما عجز عنه الأولون حيث استطاعت ابتداءً تحقيق الإجماع والاجتماع لأهل المنطقة وهذا يعتبر الإنجاز الأهم الذي من خلاله تم تنفيذ برنامج الخدمات الواسع الشامل الذي تعرضنا له، فالمنطقة أصبحت واعدة وجاذبة ونتوقع أن تقوم فيها نشاطات تدعم الاقتصاد القومي إذا لاقت الاهتمام الرسمي حيث إنها تنتج الفول السوداني والذرة وزهرة الشمس والقطن، فيمكن أن تصبح رائدة في الصناعات التحويلية وتحقق الوفرة في الزيوت واللحوم والألبان استنادًا على وحدة الوجدان التي تمت والتي أعلت من شأن المنطقة وقضت على فقر القدرة لدى أهلها وباستطاعتهم بلا مبالغة عبر إحياء التعاون الذي لهم فيه سبق فمن منا لا يذكر الاتحاد التعاوني لمنطقة 24 القرشي الذي ساهم في تمليك الجرارات والبصات وغيرها من المعينات للأهالي تحت قيادة العمدة الريح عمر علي ولهذا الاتحاد مساهمته القومية المعروفة في دعم القوات المسلحة إبان الحرب، فالمنطقة لن تنفصل عن تراثها وماضيها الذي دون شك سيساهم في صوغ مصيرها، هذا ليس إسرافاً أو مبالغة في التفاؤل بل الراجح أن للمنطقة شأناً عظيماً منتظراً، فالتلاحم الذي تم في اللقاء الذي تم في قرية الزيادية والذي جاء في إطار النشاط الاجتماعي للجمعية الخيرية والذي حضره اللواء المصباح وزير التخطيط العمراني بولاية الجزيرة ناقش هموم المنطقة بواقعية شديدة ولدت استعدادًا لمجابهة متاعب التحول، وثمّن دور الصندوق القوم لتطوير الخدمات الطبية (دمغة الجريح) لمساهماته في إنشاء دور صحية مميزة بالمنطقة علاوة على إعادة تأهيل مستشفى الماطوري كما أبدى اللقاء شكوكاً ومخاوف تصل حد الفشل في استقطاب دعم سكر النيل الأبيض المجاور للمنطقة فأغلب ملاك الأراضي التي قام عليها المشروع هم من سكان المنطقة شرق النيل الأبيض التابعة لولاية الجزيرة وجلهم لا يملك أرضاً في مشروع الجزيرة مما يعني فقدانهم وخسارتهم لمصدر رزقهم، ولعل أغلبهم لن يستطيع تأمين قوته وكانوا قد وعدوا من قبل إدارة سكر النيل الأبيض بمنحهم أراضٍ يتكفل المشروع بريها فكان الأمل أكبر ولكن في واقع الأمر أن الأراضي التي أصبحت ملكاً للمشروع لم يكن في المقابل لها تعويض سريع في شكل خدمات تحتاجها المنطقة فضلاً عن استيعاب أبناء هؤلاء المتضررين في وظائف بالمشروع غير أن المشروع على حد زعمهم لم يقدم لهم سوى عناءً إضافياً حيث أصبح وصولهم للطريق القومي الخرطومكوستي فيه الكثير من المشقة بسبب انعدام المعابر، فهذا وحده ضرره أشمل وأوسع نطاقاً بمعنى أدق عزل الماطوري برمته عن الطريق القومي فالتنمية مثلما أنتجت حقوقاً جارت على حقوق أيضا فلن يستطيع ساكنو المناطق المتاخمة للمشروع التنقل اليسير فهم يتوقون للاعتدال حيث أن منفعتهم جزء من أهداف المشروع نفسه فإن كان الإنسان هو أساس التنمية وهدف التطوير فالمنطقة تذخر بالكادر مضافاً لذلك احتياجها لدعم الخدمات الأساسية الجاري لذلك تذكِّر إدارة سكر النيل الأبيض بمسؤوليتها الوطنية تجاه ضحايا التنمية فإن المقال ضرورة الاستجابة لمعالجة آثار قيام المشروع على المنطقة وأهلها جعلهم يشعرون بفداحة الضرر الذي لحق بهم وبأراضيهم المتبقية خارج نطاقه حيث تغمر مياه المصارف مساحات واسعة ويمكن للمشروع أن يجعل الاستفادة منها ميسورة ويجيء ذلك بمثابة دعم بلا ثمن له تأثيره الأعظم في توفير الأسباب الداعمة للحياة للإنسان والحيوان والأرض، فاليقين أن بمقدور إدارة السكر المساهمة في حل مشاكل الخدمات في المنطقة والاستجابة للمطالب المعقولة والعادلة لأهلها فالتجاهل ربما يرسب شعورًا بالظلم المتعمد كما أن توظيف نسبة من أبناء المنطقة تفويض مستحق لهم ويجب ألا يغيب عن الأذهان أن للمشروع دوراً رئيسياً ومهماً في توفير الفرص الملائمة للمناطق المجاورة لترقية مستواها المعيشي والحضاري لتسهم في توفير الكادر المؤهل لأن الحاجة إليها لا تنقطع فهذه مسؤولية يعيها كل مخطط ولا محيد عنها ونأمل أن تكون مخاوف المنطقة بلا مبرر وأن تكون المسألة لدى إدارة المشروع هي ترتيب أسبقيات صرفت الجهد الآن عن أشياء نراها نحن ضرورية.. فالافتراض المسبق أن قيام مثل المشاريع الضخمة يقترن بإحياء المناطق المجاورة فسكر النيل الأبيض ليس بدعاً ولا يختلف عن المشاريع التي سبقته في بقاع السودان المختلفة وفوق ذلك كله احتياج المشرع نفسه لتأمين احتياجات عامليه الضرورية من ألبان ولحوم وحبوب متوفرة في منطقة الماطوري المعروفة بثروتها الحيوانية الجيدة، ولايخفى على إدارة المشوع أن الماطوري الشعبية والرسمية تطمع لاقتسام منافع المشروع مع أهل بحر أبيض بوصفها جزءاً منهم ولها ما لهم ولا أعتقد أن الإدارة تستطيع تجاهل هذا الواجب المستحق إلى ما لا نهاية، فلا بد أن يستفيد الناس جميعاً من قيام المشروع وليس من المتصور أن تنحصر جهوده لخلق بؤرة ثرية وسط أرض موات وتحيط بها بيئة فقيرة متخلفة وليس هناك شك في أن الأستاذ محمد أحمد بابكر وزير الزراعة بالنيل الأبيض بالتضامن مع اللواء أحمد المصباح وزير التخطيط العمراني بولاية الجزيرة معاً يستطيعان الاستفادة من برنامج النهضة الزراعية في إنشاء طرق زراعية تساعد المنطقتين في تسويق منتجاتهما وتضمن حركة سهلة لقاطنيها على نحو ينعكس خيرًا ورخاءً عليهم ولولاية الجزيرة سبق حيث أقدمت على إنارة منطقة تتبع إدارياً للنيل الأبيض بلا شك هذا لا يعني فائض خدمة بل نرى من الواجب أن يستفيد أهل المنطقة طالما أنهم مزارعون في مشروع الجزيرة، فمن العسف حرمانهم من خدمة يتطلع لها الإنسان، فإدارة سكر النيل تستطيع كسب المنطقة وأهلها بالخدمات وتكون اصطادت عصفورين بحجر واحد فإن اقتصرت نشاطاتها على مناطق السكر جغرافيا في هذه الحالة تكون ضربت عصفور واحد بحجرين.