٭ منطقة الماطوري التي تضم قسم الماطوري الزراعي، هذه المنطقة عاشت حقبة من النسيان والتجاهل، حتى أن الكثير من قراها كان يفتقر للخدمات الضرورية لأمد قريب، فالمنطقة لم تدخل بؤرة الاهتمام إلا في عهد الانقاذ، حيث أنها كانت تعاني من شح كبير في مياه الشرب النقية، وعمل نظام الري السائد في مشروع الجزيرة على تفاقم أزمة المياه، إذ ان القنوات غالباً ما تجفف في فبراير، أي ان الوية الزراعة متقدمة على متطلبات الحياة وعلى رأسها الماء، ولأن هذه القرى عبارة عن تجمعات سكنية قامت مع المشروع ضروراته التي تتعاكس دائماً مع حاجة الإنسان للماء في فترة تزداد الحاجة اليه في الشرب والبناء، فمشكلة المياه هذه كانت ام المشاكل التي عانى منها إنسان هذه المنطقة تحديداً، وحصدت البلهارسيا وأمراض الطحال الكثير جداً من الارواح وانتشرت أمراض الفقر جميعها بسبب انخفاض المستوى المعيشي، حيث انه كان دائما ينظر لمشكلة المزارع من خلال مشاكل المشروع، دونما اعتبار لمشكلة المزارع الاجتماعية، حتى ان المعالجات التي كانت تتم على ضعفها غالباً ما تنحصر في تهيئة الظروف الملائمة لترقية الانتاج، مع الاغفال التام لدعم قدرات المزارعين ليعيشوا حياة أفضل ليتوفر لديهم الاستعداد لزيادة الانتاج، والناظر لقرى ولاية الجزيرة يجد ان هناك فشلاً في توزيع التنمية، لأنها اكثر نماءً وتتوفر فيها الخدمات الاساسية، بل هى أحسن حالاً من قرى امتداد المناقل، وانتماءات المنطقة القديمة وراء تخلفها ومشاكلها، حيث أنها كانت تساند أحزابا ليس من بين اهماماتها تنمية المنطقة وحل قضاياها، بل كان أهلها مجرد ناخبين يُستخدمون من قبل الأحزاب للوصول الى السلطة، غير أن انعتاقاً كبيراً وشاملاً قد انتظم المنطقة. وانحياز المنطقة المبكر للانقاذ هو رغبة في اصلاح الحال، وتولد تبعاً له انتماء جديد قام على مفاهيم جديدة تركز على ازالة مشاكل المنطقة واوجاعها، كما ان حاجات المنطقة وازماتها دعت الخلص من ابنائها الى تجميع جهودهم من اجل تقديم ما يمكن تقديمه مساهمةً منهم في تحمل أعباء التغيير المطلوب للحياة في منطقتهم، حيث بدأ باكراً البروفيسور احمد الطيب في البحث عن المياه الجوفية في مناطق عديدة بواسطة الشركة السعودية السودانية للحفر، لكن طبيعة المنطقة والقاعدة الصخرية التي تقوم عليها حالت دون نجاح المحاولات. وتواصل الجهد في منحى آخر، حيث تمت الاستعانة بخزانات ترابية كبيرة لتخزين المياه لفترة لا تتعدى الشهرين، وتم ربطها بمرشحات كبيرة، وشكل ذلك حلاً امثل لمشكلة المياه في منطقة تفتقر أصلاً للمياه الجوفية، وتم تعميم هذه التجربة على منطقة المناقلالغربية، وخلفت استقراراً في المياه الصالحة للشرب. وعلى خلفية هذه النجاحات التي تمت بجهود افراد استفزهم الحال المزري للمنطقة، تكونت جمعية الماطوري الخيرية التي تضم اكاديميين وعسكريين. وبالطبع جمعية تتكون من هؤلاء بداهة سيكون همها إحداث تنمية اجتماعية تساهم في رفع الظلم عن المنطقة، ولفت نظر المواطنين أولاً حيال مسؤولياتهم، ومن ثم استقطاب الدعم الحكومي باعتباره نوعا من تعويض الخسائر السابقة، ووضع المنطقة برمتها في بؤرة الاهتمام، فكانت البداية إدخال شبكة مياه شاملة لكل القرى، وحلت الحنفيات محل عربات الكارو التي كانت تستخدم في قبل ميسوري الحال فقط، بينما تستجلب اغلب الاسر المياه حملاً على الرؤوس، فلا بد من إزجاء الشكر الجزيل للباشمهندس الحاج عطا المنان ادريس لمساهمته العظيمة في توفير معدات شبكات المياه، حيث أن عونه حل المشكلة حلاً جذرياً. ومع تعدد المنجزات وتنوعها ارتفع الطموح لدى الجمعية الخيرية، وبفضل العلاقة الوطيدة بين اللواء المصباح ابن المنطقة والدكتور نافع مساعد الرئيس تم الاعلان عن مشروع الإنارة الشاملة لمنطقة الماطوري. وضخامة المشروع اذهلت الجميع، غير أن جرأة الدكتور واندفاعه كان قدر التحدي بكل صدق. وكنت ارى ان هناك مبالغة نظراً لكون الدولة تصارع التخلف في عدة جبهات، وكثيرون ادرجوه تحت الوعود السياسية المؤجلة ابداً. ولقد شهدت اللقاء الذي أُعلن فيه المشروع الكبير الذي دون شك يفوق طموحات أهل المنطقة الذين يعرفون سلفاً ان الدولة تطوع فائض موازنة شحيح لبناء دولة تفتقر للبنيات الاساسية، لكن إطلاق الوعد اقترن بنوايا وعزائم لا مثيل لها. ولم أكن من المتابعين، وزفَّ الىَّ نبأ اكتمال المشروع أخ عزيز فات علىَّ ان اذكره في صدر المقال هو السيد احمد علي ادريس، ودعاني للمشاركة في مهرجان الافتتاح الذي يشرفه الدكتور نافع صباح الجمعة الغراء. ولم اندهش لأنني اعرف الدكتور نافع، فهو اذا وعد عمل في تصميم للوفاء بوعده، فأنا لا امدحه بل أشكره. وليس هذا فحسب بل اهلي في المنطقة جميعاً مدينون لهذا الرجل الذي بذل جهداً لم يكن متصوراً لمساندتنا وتطوير منطقتنا التي ستنعم يوم غدٍ الجمعة بالكهرباء التي كانت تحصل عليها فئة قليلة ميسورة، وستعمل وابورات التوليد لساعات معدودة. ومجمل القول ان افتتاح الكهرباء يعني ميلاد المنطقة وبعثها من جديد، وبالكهرباء تستأنف المنطقة حياة جديدة وتنتقل الى المدنية. فهذا التحول المفاجئ سيخلق واقعا جديدا، وعلى قيادات المنطقة المحلية استثماره في ما يلي وحدة المنطقة التي ينبغي أن تتمحور حول مصالحها بغية الاستفادة من التفات الحكومة وما توليه من اهتمام لقضايا المنطقة، وضمان الحفاظ على الوحدة وتبادل الادوار من قبل القيادات الفاعلة لابعاد شبح الاختلاف، فالانجاز محل الاحتفاء تم من قبل جمعية خيرية ذات أهداف اجتماعية، فيجب الا يفوت على القادة السياسيين توظيف منجزاتها في تأكيد الوحدة السياسية والاعتراف بجهود المؤتمر الوطني الخارقة التي عملت على إحياء المنطقة وإعلاء شأنها، والانخراط في الصف الوطني من أجل الإيفاء بواجبهم حيال الوطن.