انطلقت صباح أمس بالعاصمة الإثيوبية بقاعة المؤتمرات الكبرى بفندق هارموني وسط أديس أبابا، أشغال وأعمال الورشة الإفريقية الموسَّعة حول المحكمة الجنائية الدولية بعنوان «الحوكمة القضائية واتجاهات العدالة»، وتكاثف الحضور من البرلمانات الإفريقية والخبراء الحقوقيين والأكاديميين من أرجاء العالم المختلفة، وتصدَّر الوفد السوداني بقيادة رئيس المجلس الوطني أحمد إبراهيم الطاهر الوفود المشاركة، وسط اهتمام إفريقي كبير بما يدور ويخرج من هذه الورشة التي ينظِّمها معهد داكار الدولي للدراسات الإسترايجية في السنغال.. ولم يكن خافيًا أن القضية التي جمعت العديد من القيادات الفكرية والقانونية والسياسية الإفريقية بغيرهم من الشخصيات من الأكاديميين والناشطين في الدول الغربية وأمريكا الشمالية ومن آسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها، هي قضية أساس لا خلاف حولها تقتضي مناقشتها بقوة وفضح وكشف المخطَّطات الغربية التي تُحَاك ضد القارة الإفريقية وجعلها هامشاً سياسياً ومنطقة ثروات منهوبة أو مسيطرًا عليها.. ونجحت هذه الورشة في تجميع القوى الحيَّة والعقول الإفريقية الواعية وأحرار من العالم العريض الذين يعبِّرون عن قضايا وهموم ورفض لما يفعله كبار العالم بالقوى الأضعف والأقل حيلة كما يعتقدون.. قُدِّمت في الجلسة الافتتاحية ورقة استهلالية مفتاحية سُمِّيت «وثيقة التصميم» قدَّمها البروفيسور مالك نداي مدير معهد داكار في السنغال، حوت الإطار المفاهيمي الذي تسير عليه الورشة، تناولت مؤامرة الرجل الأبيض ضد إفريقيا منذ العصور الاستعمارية وتجارة العبيد قبل خمسة قرون حتى قيام محكمة العدل الدولية التي نشأت في الأساس لمعاقبة الأفارقة دون غيرهم، وتناولت الموقف الإفريقي ممّا يدور في العالم وواجب الأفارقة بالتعرف على مسؤولياتهم وأن إفريقيا هي مهد الإنسانية وتستطيع أن تساهم بطابعها الإنساني وتاريخها وثقافاتها وأعرافها مواجهة الصِّعاب التي تعترضها والمساهمة في إنقاذ العالم من أزماته بقوتها الفكرية والعلمية مثلما كانت مساهمة بفعالية منذ قرون طويلة في الاقتصاد والتجارة العالمية بثرواتها وقوتها البشرية وسواعد أبنائها التي بنت العالم المتقدِّم في أوروبا وأمريكا.. ولا تزال إفريقيا قارة شابة قادرة على تقديم الحلول.. وقالت الورقة المفاهيمية الرئيسة إن إفريقيا تتم فيها معايير الدول الغربية وليست معاييرهم في حكم مجتمعاتهم، فالغرب هو الذي صدَّر لها الديمقراطية بمفهومها الغربي الذي تمت مأسسته لخدعة الغير ونظريات حقوق الإنسان وحتى ما يسمونه عندهم حق الزواج للمثليين.. وتناولت قضية المحكمة الجنائية الدولية التي صُمِّمت لقهر وتقييد المجتمعات الإفريقية وإخافتها وإرعاب قياداتها، لأن الحوكمة القضائية باتت هي التي تتسبَّب في تعاسة العالم، وقد تحوَّلت كل شعارات الغرب في الحوكمة القضائية والعدالة وحقوق الإنسان لأكاذيب كبرى، ولا بد للأفارقة وأصدقائهم في العالم من فحص معايير الغرب الظالمة، ويجب على إفريقيا وضع أيديها بعضها فوق بعض لمواجهة المؤامرات ضدها والاستعداد للمستقبل. وركزت الورقة على حالة السودان وساحل العاج والكنغو وإفريقيا الوسطى وأوغندا.. وتلا الورقة المفاهيمية الافتتاحية الضافية، ورقة أخرى قدَّمها البروفيسور البيرت بورجي الأستاذ بجامعة ريمس بفرنسا حيث قدَّم عرضاً عميقاً في تقييم نظام روما الأساسي الذي قامت عليه المحكمة الجنائية الدولية وقدَّم نقداً لاتجاهات العدالة الدولية ووصفها بالخطيرة، وقال إن مستقبل المحكمة بات قاتماً ومظلماً وآلت المحكمة اليوم لوضع سيء لارتباطها بالوضعية السياسية والأوضاع السياسية وتعبث أيادي مجلس الأمن الدولي في كل أعمال هذه المحكمة التي صارت أداة في يد ثلاثة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي الذين يقومون بتوجيه المحكمة ومدَّعيها العام وفقاً للمواقف السياسية لبلادهم التي تسيطر بنفوذها السياسي والمالي على العالم، ولذلك فإن كل تحقيقات المحكمة والقضايا التي تبنَّتها هي قضايا سياسية تدفع بالاتهامات فيها دولٌ بعضها ليس عضواً في نظام روما، ووصف البروف البيرت ما تقوم به المحكمة بأنه اتجاه إيدولوجي وسياسي من العالم الغربي وهو الأمر الذي لاحظه كثيرٌ من المهتمين والمراقبين في السياق العام لميثاق ونصوص نظام روما، كما أن حدود واختصاصات المحكمة وتحقيقاتها تحددها نزوات أعضاء مجلس الأمن من القوى الثلاث الكبرى «الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا»، فكل ما قُدِّم في دارفور وساحل العاج وليبيا لم يكن مقنعاً ولا مبررًا، والتغاضي عن ما تقوم به إسرائيل.. وختم ورقته بأن المحكمة غير نزيهة وغير عادلة وفيها تسخير للقانون الدولي ليخدم مصالح ومطامع سياسية للقوى الكبرى، وشهدت تلاعباً وتجاوزًا لكل قيم العدالة والقانون ولذا فقدت المحكمة مصداقيتها... غداً نواصل في تغطية الندوة واستعراض الورقة المهمة والعميقة التي قدمها البروفيسور ميشالو هانس كولي أستاذ القانون الدولي بجامعة بريتوريا بعنوان «المحكمة الجنائية الدولية بين السياسة والقانون» أورد فيها معلومات ومقارنات ونقدًا عنيفًا وعلميًا للمحكمة جعل من ورقته هي المحورية في الورشة..