أكتب هذه السطور من داخل عمق معسكر أبوشوك أكبر معسكرات النازحين بشمال دارفور الذي نشأ بتاريخ «20» أبريل من العام «2004م» وكان وقتها عدد النازحين فيه «54127» ألف نازح وزاره عدد من رؤساء العالم في مقدمتهم النيجيرى أبوسانجو والماليزى وكانت الزيارة الأشهر تلك التى قام بها وزيرا خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية كولن باول وكونداليزا رايز حتى سمِّي الشارع الرئيس الذي يعبر المعسكر باسم «كولن باول» فكانت جملة زيارات الوفود التى حطَّت رحالها على هذا المعسكر «709» زيارات فهى النسبة الأعلى لزيارات تمت فى مدة وجيزة لمعسكر نازحين فى العالم الثالث بلغ صيته أرجاء الدنيا، وما كان ليحدث كل ذلك لولا صراخ الإعلام الغربى و«عواء» المنظمات الدولية التى ساهمت بشكل أساسي فى تشكيل الصورة الذهنية لدى الرأي العام حول هذا المعسكر الذى شكل بعبعاً أمنياً للحكومة ومن ثم أصبح بؤرة لنشاط الحركات المتمردة الهدام التى غرَّت بسكان المناطق وخدعتهم فتركوا مناطقهم والتفوا حول معسكرات النزوح فضاعت بذلك قيم اجتماعية واقتصادية وثقافية كبيرة .. لا أحد يتخيل أن معسكر أبوشوك بكل سمعته وتمرده أن يهدأ أمنياً ويآلف أهله الذين يمثلون قبائل واثنيات شتى أن يألفوا مكوِّنات المجتمع الأخرى الرسمية والشعبية، فقد كان «أبوشوك» عصيًا على أي مسؤول أو مؤسسة حكومية لكنه اليوم صار مدينة متكاملة ينعم أهله بكل ما يتمتع به إنسان «أجعص» مدينة فى السودان.. جلست إلى مدير المعسكر الأستاذ إبراهيم الخليل شيخ الدين فقد أذهلنى بأرقام وتحولات شكلت محطة فى تأريخ المعسكر الذي يدق فيه صباح كل يوم جرس التعليم في «18» مدرسة أساس تضم «6545» طالبًا وطالبة بجانب «8» مدارس ثانوية و«7» مدراس خاصة، اللافت عدد الخلاوي ورياض الأطفال حيث يضم المعسكر «15» روضة أطفال و«52» خلوة لتعليم القرآن الكريم، وبالمعسكر «309» حافظي قرآن تسعة من هذا الرقم نساء.. لا أحد يتخيل هذا التحول وان يتحول سكان هذا المعسكر لموالاة الدولة الوطنية وليس المؤتمر الوطنى بعد أن كانوا يناصبونها العداء السافر، فقد أصبح أبناء معسكر أبوشوك يلعبون كرة القدم فى فرق الفاشر الكبيرة «الهلال والمريخ» الصاعد للمتاز هذا العام، كل الناس هنا ينشدون السلام والاستقرار ويتحدثون عن حكومة الولاية بخير وفأل كبير لكنهم يسألون عن السلطة الإقليمية التى انكفأت على نفسها وصراعاتها الداخلية وتركت الذين شاركت باسمهم فى السلطة.. كل الذين تحدثت معهم داخل سوق المعسكر الضاجّ بالحركة والبضائع والمنظم جداً وهو سوق للذين لا يعلمون أكبر من سوق الفاشر فيه أربعة آلاف دكان، كل الذين تحدثوا في هذا السوق وداخل أحياء المعسكر كانوا يبحثون عن برامج السلطة للعودة الطوعية وأن أكثر من 18127 من السكان عادوا لقراهم ولم يجدوا برامج السلطة فسكان المعسكر الحاليون يبلغ عددهم «36» ألفًا يمارسون مهنًا متنوعة دون أن يتعرضوا للحكومة أو بعضهم البعض.. هنا يبرز السؤال هل هؤلاء يستقرون أم يعودون بعد الموسم مباشرة؟؟ نضرب مثلاً بالعائدين إلى منطقة طويلة مثلاً فهؤلاء نشاطهم الأساسي زراعة «التمباك» وهو يقضى فيه المزارع تسعة شهور بالكمال وهى مدة الزراعة والحصاد، هذه مدة كافية يمكن وصفها بأنها استقرار كامل وعلى ذلك يمكن القياس.. المنظمات الأجنبية التى كانت تحرض السكان على العطالة والعداء ضد الدولة خرجت إلى غير رجعة منذ العام «2009م» عندما بدأ مشروع سودنة العمل الطوعى الوطنى حيث بدأت المنظمات الأجنبية الانسحاب التدريجي فى العام «2007م» واسستكملته فى «2009م» فلم تكن هناك منظمة أجنبية تعمل الآن إلا واحدة وهى أوكسفام الأمريكية وحتى هذه تعمل بإسطاف سوداني كامل .. من مظاهر التحول فى هذا المعسكر الاختفاء الكامل لظاهرة الخيام والاتجاه نحو البناء بالمواد الثابتة واستخدام كل التقنيات والديجيتال والثلاجات وغيرها من عناصر التمدن، وان أكثر من ألف عربة هى عدد السيارات العاملة والمتحركة داخل هذا المعسكر، هذه مظاهر اندماج كامل فى المجتمع مما يحتم على حكومة الولاية تخطيط المعسكر وتذويبه فى المدينة.. فوق هذا كله شهدت نشاطًا دعويًا واسعًا ومباشرًا لطلاب الحركة الإسلامية والطلاب الإسلاميين من جامعة الفاشر داخل هذا المعسكر وبدون أي مضايقات أو مخاوف وهذا مؤشر جديد ووضع مختلف لم يكن مألوفاً لأهل أبوشوك المعسكر البعبع والمخيف الذي كان عصياً أي ذي انتماء للحكومة فلا يدخله أحدهم إلا خلسة وهذا نجاح كبير يحسب لحكومة شمال دارفور التى وفرت بيئة للتصالح والتسامح جعلت من هؤلاء يدركون الحقيقة من الضلال ويقبلون على مصالحهم بعقل مفتوح دون عاطفة عمياء.. أعجبنى أسلوب وطرق العمد ومشايخ النظام الأهلى الذين يمثلون دور المسهل بين سكان المعسكر ومن يدخل سواء كان حكومة أو غيرها فقد جلسنا برفقة الزملاء بالتلفزيون والصديقين سيف الدين البشير ومكى المغربى مع عمد وشيوخ قبائل المعسكر ال«28» ممثلين فى العمدة محمد عبد الله جماع والعمدة عبدو عباس وهم متزنون جداً فى آرائهم ومحايدون فى طرحهم وحديثهم عن أدوار الحكومة فى جعل هذا المعسكر أن يتحول إلى مدينة وأقترح بعد اليوم أن يتم ضمه لمدينة الفاشر وأن يتلاشى اسم الشؤم!!