أحداث الدندر الأخيرة لفتت الأنظار إلى مجموعات إسلامية جديدة في منهجها الدعوي والحركي، والأخطر في هذه المجموعات مصادمتها للسلطات القائمة بالسلاح وهو ما يعني موجة من المواجهة بينها والأجهزة الأمنية التي لن تتردد في حسم هذه المجموعات بالقوة. والسؤال الذي يطرح نفسه من أين أتت هذه المجموعات؟ وما هي أفكارها الرئيسة؟ وما هو منهجهم الحركي وارتباطاتهم الخارجية؟ وكيف يمكن مواجهة مثل هذه المجموعات؟ بعد أحداث الاحتجاج على الفيلم المسيء أمام السفارة الأمريكية بالخرطوم أواسط سبتمبر الماضي، وبعد أن لقى ثلاثة مواطنين حتفهم في مواجهات مع الشرطة، برزت مجموعة إسلامية جديدة أعلنت نفسها تحت اسم السلفية الجهادية، وبرز على رأس هذه المجموعة الشيخ سعيد نصر والشيخ مساعد بشير السديرة، كما ورد أخيراً بعد عملية الدندر اسم أسامة أحمد عبد السلام، فمن هؤلاء؟ وما هي خلفياتهم الفكرية؟ وماذا يستهدفون؟ الشيخ سعيد نصر شاب برز خلال صفوف السلفيين في السودان، وكان محسوباً على تيار أنصار السنة العريض، وهو معروف بمخاطباته الجماهيرية في الميادين العامة مثل ميدان جاكسون بالخرطوم وحمد النيل بأم درمان وغيرهما، وهي مخاطبات كانت تتم بعلم السلطات وموافقتها، ثم ما لبث الشيخ سعيد نصر أن انضم إلى المجموعات الإسلامية الجديدة التي يُطلق عليها اسم السروريين نسبة للشيخ السوري سرور زين العابدين تمييزاً لها عن بقية المجموعات الإخوانية والسلفية المعروفة في السودان، ونشط الشيخ سعيد نصر في دروسه التي يقيمها بمسجد الشيخ محمد عبد الكريم بالجريف غرب، وعلاقته قوية جداً بالشيخ محمد عبد الكريم والشيخ مدثر أحمد إسماعيل والشيخ علاء الدين الزاكي وبقية رموز التيار السروري، أما الشيخ مساعد بشير فقد برز بصفته عالماً في علم الحديث، وله معهد يدرس العلوم الشرعية، وقد اعتقل في مصر أثناء زيارته لها قبل سنوات أيام حكم مبارك، وتعرض للتعذيب ثم تم ترحيله للسودان، وقد برز بوصفه أحد علماء الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بقيادة الشيخ الأمين الحاج والشيخ سليمان أبونارو، وتربطه علاقة قوية جداً بالأخير، وهو يُعتبر زعيم تيار السلفية الجهادية. أما أسامة أحمد عبد السلام فهو شاب بدأ حياته الدعوية مع مجموعة محمد عبد الكريم وعبد الحي يوسف، وكان يُعتبر من تلاميذهما، وبرز اسمه أثناء مداهمة السلطات لخلية السلمة الشهيرة التي فيها تم اعتقال عمر نجل الشيخ عبد الحي لفترات متطاولة، ولكن أسامة اختلف مع شيوخه حول موضوع المواجهة مع السلطة، ثم اختفى وبرز أخيراً في الدندر مع المجموعة التي يقودها، وهي تضم حوالى ستين شاباً تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين عاماً. إن هذه المجموعات تكرر تجربة الجماعة الإسلامية في مصر في مواجهتها مع السلطة التي انتهت باغتيال الرئيس المصري الأسبق السادات، ثم ما لبثت الجماعة الإسلامية أن أعلنت مراجعات فكرية واسعة لمنهجها الحركي والدعوي انتهت إلى الاعتذار عن اغتيال السادات بعد مراجعات فكرية واسعة منشورة. فلماذا يتم تكرار التجربة في السودان. وختاما نذكّر بأن ملف هذه المجموعات ليس أمنياً بحتاً، بل يدخل فيه المنحى الفكري دخولاً أولياً، ويجب أن تتم مناقشات علمية واسعة لأفراد هذه المجموعات من شخصيات يثقون فيها، لأن معظم المشايخ السابقين لهذه المجموعة لم يعودوا محل ثقتهم.