الحكومة وحزبها مُحيِّران حقاً، يستقبلون باقان بالأحضان ويتحاورون معه في الخرطوم على كل شيء ثم يودعونه فرحين مستبشرين، ثم تنقلب الأمور على عقبيها ويتهم بأنه يسعى لنقل قضيتي أبيي والحدود لمجلس الأمن الدولي مما يقود لحرب جديدة بين البلدين. وتتعامل الحكومة وحزبها بما يشبه «الدروشة» وكأنهم بلا ذاكرة، وليس بينهم من يعلم خسيسة باقان وما يريده واللعبة الخطرة التي يلعبها، ففي أبريل الماضي جاء مع وفد كبير للخرطوم للتغطية على مخطط الحركة في الهجوم على هجليج، التي هاجمتها قوات الحركة بمجرد رجوعه مع وفده لجوبا، واليوم بعد مغادرته للخرطوم وسط الابتسامات والتمنيات وتعليق الآمال الكبار، والإعلان بحياء عن تفاهمات حول النقاط الخلافية، فإذا بالحزب الحاكم يعلن على لسان ناطقه الرسمي البروفيسور بدر الدين أحمد إبراهيم، أن باقان يخطط لنقل قضية الحدود وأبيي لمجلس الأمن الدولي!!! اكتشف المؤتمر الوطني فجأة أن باقان يفعل ذلك ويسعى لتدويل قضية أبيي ويخطط لنقل هذه القضية إلى نيويورك بدلاً عن أديس أبابا ومن داخل البيت الإفريقي لخارجه .!! منذ البداية، مخطط الحركة الشعبية ودولة الجنوب واضح لا لبس فيه، وعملت سوزان رايس ودوائر صنع القرار في الولاياتالمتحدةالأمريكية على دحرجة ملفات الخلاف بين السودان ودولة جنوب السودان إلى مجلس الأمن الدولي، وفرّطت وزارة الخارجية عندما قبلت بإحالة مجلس الأمن والسلم الإفريقي لكل ملفات الخلاف إلى الأممالمتحدة وصدور القرار «2046» من مجلس الأمن الدولي الذي بُني على خارطة الطريق التي أصدرها مجلسا السِّلم والأمن الإفريقي، وتحت الضغط الدولي والتواطؤ الإفريقي تمت اتفاقية التعاون المشترك في حِزَمها الثماني.!! ولما لم تنجح الخطة المحكمة في أديس أبابا في سبتمبر الماضي، لضم أبيي لبقية الاتفاقات الثماني التي وقِّعت نهاية سبتمبر المنصرم، تم تأجيل ملف أبيي، وفرح البعض بأننا قد كسبنا نقطة ثمينة باستلال مسألة أبيي من عجين اتفاقية الدفاع المشترك .!! لكن الطامة الكبرى جاءت مع مقترحات أمبيكي ولجنته الرفيعة المستوى المنحازة وغير النزيهة التي أقرّت قيام الاستفتاء على أن يكون محصوراً في دينكا نقوك ومحظوراً على المسيرية.. ووجدت الحكومة نفسها في مأزق حقيقي، فهي لم تستطع أن تعلن صراحة موقفاً رافضاً لمقترح أمبيكي وتقول له: «بِلّه واشرب منقوع مائه»، بل تستخدم لفظاً سائلاً وضعيفاً بأن لديها تحفُّظات على مقترح أبيي، وتتخفى وراء موقف قبيلة المسيرية وتقول لكل وفود الدنيا التي تلتقيها إن المسيرية رافضون للمقترح وسيتقاتلون مع دينكا نقوك وتعود الحرب من جديد بين البلدين .! ولذلك موقف الحكومة الضعيف والمحاذر وهي تمشي تحت الحائط، هو الذي أغرى باقان والقوى الدولية التي تقف وراءه بالإسراع في تنفيذ مخطط نقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي.. ولا يتوقع بالطبع أن يمر مقترح باقان ومن ورائه داخل مجلس الأمن بسهولة، ويمكن أن يسقط ويذهب مع الريح في حال اتخذت روسيا والصين الحليفتان المفترضتان للسودان، موقفاً حازماً في هذه القضية إذا طرحت في المجلس لاستصدار قرار دولي حول الاستفتاء أو غيره. وتقول الحكومة وحزبها لطمأنة النفس أن المخطط الباقاني لن ينجح في الذهاب بقضيتي الحدود وأبيي إلى مجلس الأمن الدولي، وسيحسم الخلاف داخل القارة الإفريقية .! من واقع حضوري للقاء التنويري بمنزل سفير السودان في أديس أبابا، الذي تحدّث فيه عضوا الوفد الحكومي المفاوض «سيد الخطيب ويحيى حسين» أمام أعضاء مجلس السلم والأمن الإفريقي، لا يبدو أن هناك تعويلاً كبيراً يمكن أن يعقد على أي مستوى أو جهة في الاتحاد الإفريقي لحسم الخلاف مع دولة الجنوب حول أبيي أو الحدود داخل القارة وبين أياديها. --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.