لم أكن أتصوّر أن يكون موقع مصنع ومزرعة سكر النيل الأبيض على الضفة الشرقية للنيل الأبيض ولا أن يكون في موقعه عند مدخل كبري الدويم ولكنني فوجئت بالمكان، وقبل أقل من عام مررت به وأنا أرافق زملائي أعضاء الفدرالية الإفريقية للصحفيين في مؤتمرهم الذي استضافته شركة سكر كنانة بمقرها في ربك، وقد أكدت لي هذه الواقعة أن السفر بالنسبة للصحفي ضرورة بل واجب لأنه سوف يتعرف على الأمور بنفسه ولن يتلقاها من الآخرين.. وفي هذا السياق فإن زيارة قمنا بها ونحن طلاب بالجامعة في الستينيات إلى جبل مرة وتبارينا، فريق كرة القدم بالجامعة الإسلامية مع هلال ومريخ نيالا.. ما زلت أتذكر وقائعها وأتذكر مناطق جبل مرة، فلول ونيرتتي ومرتجلو، كما أتذكر الدلنج وسلارا وهبيلا وأم برامبيطة ورشاد والعباسية تقلي وأبو جبيهة وتلودي وكالوقي وكادوقلي رغم مرور أكثر من ثلاثين سنة على زيارتنا لولاية جنوب كردفان. والبص يسرع بنا نحو مشروع السكر الجديد لاحظت أن هذه الولاية البيضاء كل شيء فيها أبيض، سكانها بما فيهم الوالي الشنبلي يميل لونهم إلى البياض.. النيل أبيض.. حتى ماشيتهم يغلب على ألوانها البياض بجانب إنتاجها للسكر الأبيض الناصع في كنانة وعسلاية وأخيراً النيل الأبيض.. فهي إذا اسم على مسمى وقد أطلقنا عليها أثناء زيارتنا لمشروع كنانة بولاية السكر ومعلوم لدى الجميع قيمة السكر وقيمة البلد التي تنتج مثل هذه السلعة الضرورية الغالية.. والأمر الذي سرّ بالي وأنا إنسان إقليمي ما زلت متمسكاً بإقليميتي وأُحب الأقاليم وحياة أهل الأقاليم العمل الاجتماعي العظيم الذي أجري ابتداءً من مسح وتعداد ومفاوضات أفضت إلى تفاهمات أدّت في نهاية المطاف إلى اتفاق وتوافق حقق الاستقرار لمواطني المنطقة التي كانت تتسمى بمسميات عجيبة، طرشانة وعطشانة وأناس متحركون إلى الاستقرار والرعاية الصحية والتعليمية وخدمات المياه والأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.. يعني قيام أو تكوين مجتمع جديد حول المشروع وامتصاص العمالة الموجودة في المنطقة وإيلاء إبناء المنطقة في ملئ الشواغر من الوظائف في المشروع. وفي الحقيقة فقد كان تركيزي منصباً على قضية المسؤولية الاجتماعية التي صارت اليوم أكثر أهمية من المنتج نفسه بمعنى أن تنمية منطقة قيام مشروعات التنمية وترقية المجتمعات المحلية هي الأمر الأكثر جدوى في المرحلة الراهنة وتأتي مخرجات المشروعات على المدى البعيد على الشعب السوداني بأجمعه وعلى الاقتصاد السوداني.. وزيادة إنتاجنا من سلعة السكر خلال ثلاث السنوات القادمة بنسبة أُربعمائة وخمسين ألف طن قابلة لبلوغ الخمسمائة ألف ليس بالأمر الهين، حيث ستتحقق الوفرة من هذه السلعة الضرورية للاستهلاك المحلي وتكون هناك عائدات للتصدير، فقط المطلوب حماية سلعة السكر المنتجة من مصانعنا الستة، ينبغي أن تصب لصالحنا وليس لصالح أية جهات أخرى بما فيهم العاملون بالتهريب عبر الحدود.. وشركة النيل الأبيض للسكر هي سودانية أصيلة وتعمل في مجال الطاقة والطاقة البديلة«الإيثانول» والأعلاف الحيوانية والمنتجات الأخرى التي تحقق في ذات الوقت عائدات مقدرة تسير جنباً إلى جنب مع المنتج الرئيسي «سلعة السكر» وتظل قضية المسؤولية الاجتماعية حاضرة في ظل كل حركة الدولة في الدعوة للاستثمار في كل أنحاء البلاد.. لأن الاستثمار لا يعني الاستزراع وأخذ المحصول والذهاب به بعيداً إذ لا بد من النظر إلى المجتمع الذي يعيش على هامش المشروع ورعايته وكفايته قبل أن تخرج السلعة إلى الأسواق.