إلى متى ستظل أديس أبابا كساحة لمراوغة حكومة دولة جنوب السودان ومهرباً من التزاماتها ومسؤولياتها تجاه مواطنيها بالداخل وتجاه اتفاقها مع الخرطوم؟! آخر أسلوب مراوغة من حكومة الحركة الشعبية في جوبا هو إنها اعتبرت مطالبة السودان بفك الارتباط بين قوات الجيش الشعبي بدولة جنوب السودان وقوات الجيش الشعبي «الفرقتين التاسعة والعاشرة» في النيل الأزرق وجنوب كردفان لا علاقة لها باتفاقية أديس أبابا «لعدم النص عليها بالاسم في الاتفاق الأمني». وهذا بالطبع يعني حاجة الحكومة السودانية لاتفاق جديد كملحق يتضمن هذه المطالبة ما دام أن حكومة الجنوب الآن تعترف بشكل ضمني بأن الفرقتين التاسعة والعاشرة اللتين يقودهما مالك عقار وعبد العزيز الحلو في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان السودانيتين تابعتان للجيش الشعبي الجنوب سوداني الذي يقوده رئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت. حينما وقعت حكومة السودان مع حكومة جوبا على الاتفاق الأمني كان المفهوم هو أن الالتزام من جانب الحركة الشعبية بهذا التوقيع يعني «فك الارتباط» لأن المشكلة الأمنية التي استدعت الوصول إلى اتفاق أصلاً سببها بالطبع هو ارتباط قوات قطاع الشمال بالجيش الشعبي التابع لدولة جنوب السودان. ولولا هذا الارتباط لما كان هناك داع للاتفاق الأمني، فبعد انفصال الجنوب ينبغي أن تكون علاقة الدولة الجديدة بالقديمة على ما يرام نظراً إلى الرابط الاقتصادي، لكن للأسف بعد الانفصال وقع فك الارتباط الاقتصادي الضروري بين الدولتين واستمر الارتباط العسكري بين حكومة جوبا ومتمردي قطاع الشمال، ودائماً نتساءل ماذا يستفيد المواطن الجنوبي من كل هذا؟! ألا يستدعي هذا «الربيع الإفريقي» في دولته؟! إذن هي المراوغة، ويجدر ذكره هنا أن نصوص بروتكول أبيي لم توضح أن المسيرية هم أهل المنطقة كما كان التوضيح لدينكا نقوك ليقع وفد السودان المفاوض في فخ مؤامرة دان فورث، ويأتي بعد ذلك مقترح أمبيكي كتطور على تلك المؤامرة ليزيد الطينة بلة. الآن حكومة الجنوب تقول بأن الاتفاق الأمني الموقع عليه في أديس أبابا لا علاقة له بفك الارتباط بين الجيش الشعبي وذيله في النيل الأزرق وجنوب كردفان. والأغرب في الأمر أن الوساطة الإفريقية في أديس أبابا بين حكومتي الخرطوموجوبا قد استدعت قادة قطاع الشمال الثلاثة عقار والحلو وعرمان إلى مقر المفاوضات للتباحث معهم حول قضية فك الارتباط بين قوات الحركة الشعبية في جنوب السودان وقواتها في النيل الأزرق وجنوب كردفان. ترى ما هو الممكن الذي قد يصل إليه قطاع الشمال مع الوساطة؟! هل يمكن أن يوافق على فك الارتباط بشروط مثلاً تجعله كأنْ لم يكن؟!.. لقد طلبت حكومة الجنوب من بعض حركات دارفور المتمردة مغادرة أراضيها وغادرت وهي تحمل دعماً وتمويلاً من جوبا، هل مثل هذا تريد أن تعرضه الوساطة على قطاع الشمال؟!. ثم إذا كانت حكومة جوبا متمسكة بذيلها وترفض أن تتعامل بنظرية «الضب» فما الذي يجعل قطاع الشمال يصل إلى اتفاق مع الوساطة الإفريقية يقضي بأن يقتنع بفك ارتباطه بالجيش الشعبي بقيادة سلفا كير رئيس الدولة النفطية الحديثة. إن قطاع الشمال ليس حزباً سياسياً وإنما مليشيا تابعة لجيش دولة أجنبية معادية للسودان، ولذلك ليس هناك منطق مستقيم يدفع الوساطة في أديس أبابا أن تستدعيه لتناقش معه مسألة انشقاقه عن الجيش الشعبي، هذه مخالفة عسكرية ستجلب له المآسي من قبل القيادة العليا في جوبا. والمطلوب من الوساطة أن تبحث هذا الأمر مع وفد حكومة جوبا، تبحثه مع الرأس وليس الذيل. اللهم إلا إذا كانت الوساطة تتآمر مثل أمبيكي.