يبدو أن الحكومة وأجهزتها المختلفة تبذل الآن أقصى ما لديها من جهد لاستكمال عملية «طبخ» تجري على نار هادئة لقانون جديد، ينظم النشاط الاستثماري في بلادنا وفق رؤية الحكومة، بعيداً عن رؤى الآخرين الذين هم في الأساس أصحاب الشأن والمعنيين بالدرجة الأولى في تحريك آليات الاستثمار، والدفع به في فضاء الاقتصاد السوداني، ولكن من غير المنطق أن تتحرك الحكومة منفردة دون أن تتحسس الميدان أو دون أن تتحرى في مطلوبات المستثمرين وتحفظاتهم ، ودون أن تكون هناك قراءة واعية ومدركة لحقيقة التحولات والتبدلات التي طرأت على الساحة السياسية والاقتصادية على المستوى المحلي والدولي. لكن المحزن حقاً وبحسب المتابعات أن الحكومة عبر مجلسها الأعلى للاستثمار، وضعت اللمسات الأخيرة لقانون الاستثمار الجديد، وأضافت إليه هذه المرة ما اسمته بالمناطق الحرة. لسنا في حاجة إلى تشريعات قانونية بقدر ما أن الحراك الاقتصادي والاستثماري في أشد الحاجة إلى جدية وتعامل يتجاوز كل أشكال البيروقراطية، ووضع حزمة ضوابط وإجراءات لقطع الطريق أمام كل أنماط الأنشطة الطفيلية والوسطاء والسماسرة الذين ينشطون بشكل كثيف في المساحات الممتدة بين نافذة وأخرى. وما أكثر هذه النوافذ التي تتدعي أن لديها من التفويضات والسلطات التي لا تحدها سقوفات ولا كوابح إدارية أو سياسية، فيُحار المستثمر وطنياً كان أو أجنبياً في أمر هذه النوافذ، وفي التعقيدات والمتاريس التي تحول دون استكمال هذه الأنشطة الاستثمارية، وهنا تتبدد رغبة المستثمرين، فيخرجون من ذات البوابة التي ولجوا منها، والخاسر الأول هو بالتأكيد الدولة السودانية واقتصادها.. كم من التشريعات التي هللت لها الحكومة وتغزلت فيها واعتبرتها المخرج للمعضلة الاقتصادية في السودان.. كنا نظن أن الحكومة ستكون حريصة على استدعاء تجاربها ومحطات فشلها السابقة التي كانت قد اعتمدتها للدفع بالحراك الاستثماري.. وكنا نظن أيضا أن المؤسسات المعنية بالشأن الاستثماري ستتيح المزيد من الرؤى والاقتراحات والتصورات من كل المكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع السوداني للمشاركة في وضع قانون جديد للاستثمار، مكتمل الهوية السودانية متجاوزا لاحتقانات الاستثمار وتقاطعاته لا أن يكتفي برؤية واحدة المنبع والاتجاه. الحكومة الآن تتحدث أن العام 2013 هو عام الاستثمار في السودان. ويبقي السؤال هل فعلاً هيأت الحكومة نفسها حتى يكون هذا العام للاستثمار ليس بالضرورة أن يكون هناك قانون جديد، ولكن بالضرورة أن تتحدث الحكومة عن حزمة إجراءات وتحولات كبرى ومتكاملة في العقل السياسي والاقتصادي للحكومة، وأن تتعامل بطريقة ليس كطريقتها القديمة، فإذا لم يتحقق لها ذلك، فلا فائدة من قانونها الجديدة. (00249912647861) عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.