رغم الجدل الذي صاحب عملية انتخاب الأمين العام للحركة الإسلامية وتباين الرؤى إلى حد كبير الا انه كان هناك توفيق في اختيار الرجل المناسب لهذا الموقع الهام في ظل التداعيات والمعطيات التي جرت فيها الشورى. ولا أحد يشك في تجرد واستقامة وسبق الدكتور الزبير احمد الحسن الأمين الجديد والذي انعقدت عليه الآمال فى النهوض بالحركة الإسلامية ليقودها في المرحلة القادمة لتواصل مسيرتها وتجدد عهدها وتوحد صفها ولترسى دعائم الحكم الراشد والقيم الفضيلة في المجتمع. وباسناد الأمانة العامة للشيخ الزبير تبقى الحركة موعودة باصلاح شامل وتغيير كبير في ما شاب منظومة العمل السياسي والتربوى والاجتماعي من خلل وضعف وذلك وفق ضوابط اخلاقية وقيمية جديدة . لأن الفساد الذي اصاب النظام يحتاج الى جراح ماهر لاستئصاله ولا نشك في روح المبادرة عند الأمين العام والذى يعي دوره في مرحلة ما بعد المؤتمر الثامن. وعندما سعى الجميع لاستقلالية الأمين العام بحيث لا تكون هناك أجهزة قيادية عليا فوقه إنما كان القصد ان تكون سلطاته تتمتع بدرجة من الفعالية والمصداقية والصلاحيات التي تمكنه من الرقابة والمتابعة والمحاسبة والتأثير على مواقع اتخاذ القرار لأن النظام الذي يكون لديه مرجعية يستند لنهج أهم ما فيه الالتزام وحل جميع القضايا الخاصة بشؤون الحكم وإدارة المجتمع في إطار شامل قوامه الشفافية والمصداقية والتجرد. لا يريد أحد أن ينحصر دور الأمانة العامة في إطار المؤسسية التنفيذية ولا الانزواء في الأُطر الرسمية التي يغلب عليها الطابع المكتبى الذي يكون بعيداً عن الهم العام لأن الحركة جسم أكبر ومسؤوليتها أعظم وسيكون التاريخ شاهداً على النجاح أو الإخفاق في العطاء سلباً أو ايجاباً و لأن الحركة الإسلامية تمثل السلوك السياسي والبُعد الأخلاقي للنظام والمجتمع الذي ارتضى بمنهجها. أولى المهام الواجب على قيادة الحركة الإسلامية الجديدة الاضطلاع بها هي محاربة الفساد بكافة أشكاله والذي أصبح ظاهرة ووصمة مسؤولة عنها الحركة باعتبارها التيار الذي ينادي بالفضيلة وتأصيل مبادئ النزاهة في الحياة العامة. والفساد استشرى رغم الآليات التي اتخذتها الدولة لمحاربته وكل عام يخرج علينا المراجع العام بتقارير تؤكد وجود تجاوزات كبيرة من بعض المؤسسات وتجنيب للميزانية ثم لا شيء من محاسبة ورغم ذلك فإن كل من يتحدث بأن هناك فساداً يوصف بأنه يريد تقويض النظام أو أنه يعمل ضد المشروع الحضاري وكأن المشروع ما جاء إلا لتحقيق مصالح البعض في الثراء والكسب غير المشروع.. إن اطماع بعض الذين يمثلون النظام في قمة الهرم ومحسوبون على الحركة الإسلامية اعاقوا عمليات التنمية والنهوض بالبلاد من خلال استغلالهم لمواقعهم القيادية بتمكينهم لأصحاب التطلعات والأجندات من التلاعب باقتصاد البلاد على حساب المواطنين الأمر الذي خلق حالة من الانقسام في المجتمع إلى طبقتين الأولى صغيرة وغنية ولها نفوذ وقدرة على التأثير في مواقع اتخاذ القرار، وأخرى وهي الأكثر عدداً والأقل حظاً وهم الذين تم افقارهم نتيجة لكثير من السياسات الخاطئة والممارسات الفاسدة.. مما ادى الى غياب المراقبة والمحاسبة والشفافية وسوء إدارة الموارد وهذا بدوره شكل في مجمله ضغطاً متواصلاً على المواطن افقده القدرة على توفير احتياجاته اليومية كذلك دفعه الى الدخول في دائرة عدم الثقة بالنظام ومؤسساته وكل ذلك يؤدي الى مزيد من عدم الاستقرار في المجتمع واضعاف الدولة عن أن تؤدي دورها في إدارة سليمة لشؤون البلاد ومواجهة التحديات الخارجية المتمثلة في التغول على الحدود وتشويه صورة السودان في العالم. وإن أشكال الفساد التي يجب على الحركة الإسلامية رصدها ومتابعتها وايجاد الحلول الجذرية لها هي كثيرة ومتعددة ولا تقتصر على الاعتداء على المال العام فحسب إنما هناك فساد في غياب المسؤولية نحو الواجبات على المسؤولين في التسيب وعدم الاهتمام بقضايا الناس وخيانة الأمانة في سوء استخدام المعلومات السرية للدولة وتزوير السجلات وتضليل العدالة والتلاعب في الانتخابات وتصديق التراخيص والتهرب الضريبي والمحاباة للأقارب والأصدقاء، كل هذه مظاهر سالبة تحتاج الى وضع خطة وتصور متكامل لمحاربتها. وهذا يتجسد في البُعد التربوي الواجب تنزيله للمجتمع. والفساد عملية معقدة تحتاج الى إرادة قوية وعزيمة صادقة ولعل الدكتور الزبير احمد الحسن وهو الخبير الاقتصادي ويجمع ما بين خبرته الفنية والأكاديمية وبين وظيفته في قمة الحركة الإسلامية يمكن أن يضع رؤية وبرنامجًا للإصلاح يتم بموجبه إعادة النظر في هياكل الحكم وفي العلاقة بين أجهزة الرقابة ومنظومة العمل التنفيذي والسياسي والشعبي لوضع نهج كلي وشامل في إطار اتفاق لعدم استغلال النفوذ ومؤسسات الخدمة المدنية لتكون أكثر نزاهة بايجاد آلية اكثر حسمًا تتمثل فى وضع قوانين رادعة لكل من تسول له نفسه المساس بالمال العام والممتلكات العامة حتى وان كان من القيادات واذا ثبتت ادانته تصادر ويعاقب ويكون عظة لغيره. ولابد من وضع قيود على الوظائف والمناصب العليا والتركيز على أن اصحابها مجرد ضيوف يدخلون عليها بواسطة إبراء الذمة ويترجلون منها عبر المسألة ومن اين لك هذا ثم إنها لا بد ان تكون وفق فترة زمنية محددة ليتم تداولها من خلال فتح مجالات التنافس عليها وفق الشروط الواجب توفرها من التقوى والنزاهة وطهارة اليد والكفاءة والتجرد لخدمة الناس.