البيت حلم جميل ومستحيل، وفكرة نبيلة، كم أضاعت أزاهير العمر بين تعاقب السنين.. مهاجرون سودانيون ربما لا يبتغون منالاً في دنياهم سوى «عشة صغيرة» تأوي الأسرة البنين والبنات، وما تبقى من شجرة العائلة الممتدة، الوالدين والجدود، أحلام تدقدق وجدان كل من حمل هم الأسرة واقتحم المهاجر.. فالأرض قيمة ذهبية وكسب مادي كبير لا يدانيه كسب لكل من يحلم بدنيا لا تؤمن بالرحيل والترحال ولأن السكن هكذا يقلق المهاجرين ويجرح كبرياءهم ويعقد حسابات ومعادلات الأسر المهاجرة، ويضاعف من معاناتها، خاصة تلك التي اتخذت من المهجر ملجأ ومحطة عابرة.. ولعل معطيات البحث عن قطعة أرض تتحدث عنها طبيعة الحراك والتواصل الذي يمارسه المغترب في سبيل البحث عن أرض من غير موانع في هذا السودان الفسيح. والحقيقة التي يمكن أن نطرحها هنا قاسية على أفئدة المغتربين، فجهدهم لا يكافأ بعطاء أو وفاء أو اعتراف، ولكنهم يحصدون هشيماً ويلهثون خلف سراب يمتد في الأفق، بل نهايات هكذا هم يتحدثون.. ولا يبدو أن مشروعات جهاز المغتربين التي كانت تبحث عن معالجات لمشكلات السكن وإعلاء شأن الاستثمار في الأرض من قبل المغتربين، لم تكن مخرجاتها تتفق ومطلوبات هؤلاء المغتربين، أو مزاجاتهم، فهم أي المغتربين يعتقدون أن هذه المشروعات أو المخططات السكنية، لم تكن الشفافية فيها كاملة الدسم، ولكنها جسدت فكرة مدن الأحلام التي لا تلامس الواقع أو تقترب منه، الأمر الذي رسم حالة من الشك والارتياب في المسافة الممتدة في فضاءات العلاقة أو الشراكة التي يفترض أن تكون في ربيعها وعسلها بين المغترب وجهازه المعني بتنظيم شوؤنه.. لسنا هنا في مقام السرد التفصيلي لكل جزيئيات القضية وملابساتها، ولكننا نستشف من حالة الشكوى المستمرة من قبل الكثير من أسر المغتربين الذين كان بعضهم أو جلهم ضحايا الشفافية الغائبة، يتعرض حصادهم الذي جنوه من عرق الغربة وهجيرها إلى التآكل والاستنزاف والضياع ما بين أطماع تجار وسماسرة الأرض ووطأة الأسعار وجنونها في ظل تساهل القانون وغياب المسؤول عن مسؤوليته، فمثلما ضاعت أزاهير العمر في بعد الوطن تضيع أيضا «تحويشة» العمر، وتتحول سنوات الغربة إلى كابوس وأمراض نفسية. فكم من المغتربين فقدوا عقولهم عندما انهارت أحلامهم والحكاوى التي تتحدث عن مآسي ومعاناة المغتربين لا تعد ولا تحصى، قضايا حقيقية ومشكلات ماثلة تتجلى فيها المعاناة بأسوأ صورها وسيناريوهاتها، والحقيقة التي يجب أن يبحث في خلفياتها أن قطاعاً كبيراً من السودانيين العاملين بالخارج أدار ظهره عن كل مشروعات الجهاز، واتجه بشكل فردي يبحث عن استثمارات ذات جدوى لأمواله بعد أن اهتزت ثقته في جهاز المغتربين، وفي ما يبشر به في المهاجر وهذا التوجه لا يخلو من المغامرة وركوب المخاطر. فالمغتربون ليس لديهم الإلمام الكافي بطبيعة السوق ولا بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شكلت نوعا آخر من التعامل، وانتجت سلوكيات وممارسات لا يألفها هؤلاء المغتربون، وعبر هذه البوابة انتعشت المحاكم بضحايا الأراضي من فئة المغتربين، فكم من هؤلاء المغتربين وقعوا في شباك المحتالين..«00249912647861»