النداء الأخير.. للرئيس بوزيزيه: أطلب من أبناء عمومتنا «فرنسا وأمريكا» التدخل..باريس و واشنطن ترفضان دعم الرئيس..خبراء يطالبون الخرطوم بالتريث حتى تستقر الأوضاع أعدها:المثني عبدالقادر الفحل بعد «15» يوماً من العمليات العسكرية في دولة إفريقيا الوسطى، سيطر المتمردون على عدة مدن وأصبحوا على بعد «75» كيلومتراً من العاصمة بانغي، حيث أكد التمرد المعروف باسم «سيليكا» المكون من متمردين مقاتلين من عدة جماعات متمردة سابقة، ويشكون أن بوزيزيه لم ينفذ بنود اتفاق السلام المبرم عام 2007م، أنهم لم يواجهوا مقاومة تذكر في أثناء تقدمهم كإجراء أمني ولحماية المدنيين، وقال: «نعتبر أنه لم يعد ضرورياً خوض معركة بانغي ودخول قواتنا إليها لأن رئيس إفريقيا الوسطى الجنرال فرنسوا بوزيزيه، فقد السيطرة على البلاد»، وتابع ائتلاف التمرد في بيان: «نطالب جميع أبناء وبنات إفريقيا الوسطى وجميع عناصر قوات الدفاع والأمن التي مازالت مخلصة لنظام فرنسوا بوزيزيه، بإلقاء السلاح على الفور. «الإنتباهة» وقفت على الحدث واتصلت بخبراء الأمن والدفاع المختصين بالقضية لمعرفة مآلات تأثير الأوضاع في إفريقيا الوسطى على السودان، خاصة أن الخرطوم لديها حدود كبيرة مع تلك الدولة، إضافة إلى فرنساوالولاياتالمتحدة اللتين رفضتا نداءات الرئيس بوزيزيه لدعمه. باريس من بوكاسا إلى بوزيزيه منذ عقود خلت تلازم صور سلبية الوجود الفرنسي بالقارة الإفريقية، ليست موروثة من مرحلة الاستعمار فحسب، بل بشكل أكبر من مرحلة استقلال تلك الدول، الأمر الذي يجعل باريس في أغلب الأحيان مسؤولة بشكل مباشر عن حالة الاضطراب المتواصلة إلى الآن في بعض الدول الإفريقية. ويأتي مثال دولة ساحل العاج دليلاً على التدخل الفرنسي غير البنّاء في بعض الدول الإفريقية، حيث شهدت تلك الدولة صراعات دامية بين حلفاء فرنسا ومعارضيها داخل البلاد، وبشأن جمهورية إفريقيا الوسطى مازالت الذاكرة تحتفظ بجرائم بوكاسا الذي ساعدته فرنسا باعتراف رجال مخابراتها - على إعلان نفسه إمبراطوراً، وغضت الطرف عن تنكيله بشعبه، ثم أسقطته عبر تدخل عسكري مباشر ومحدود عندما رأت أنه لا يخدم مصالحها عن نحو مناسب، لذا يبدو أن شعب إفريقيا الوسطى مازال يحتفظ بتلك الذكريات إلى اليوم، حيث يؤكد المتظاهرون من انصار الرئيس فرنسوا بوزيزيه الذين تظاهروا بالاحتجاج أمام السفارة الفرنسية في بانغي أنهم هنا أمام سفارة فرنسا لأن فرنسا استعمرتهم، وقالوا: «لكن فرنسا تميل الى التخلي عنا، ولم نعد نحتاج الى فرنسا، وما عليها إلا أن تأخذ سفارتها وترحل»، كما رشق عدد من المتظاهرين مبنى السفارة الفرنسية بالمقذوفات مما أدى إلى كسر زجاج بعض النوافذ، كما استهدفوا مكاتب شركة الطيران الفرنسية، كما نفذ المتظاهرون اعتصاماً أمام سفارة الولاياتالمتحدة، واستخدموا الصفارات وهتفوا حاملين سعف النخيل «نريد السلام، لا الحرب». تخلٍ فرنسي واضح دعا وزير بحكومة إفريقيا الوسطى الجنود الفرنسيين المرابطين هناك إلى التدخل مع اقتراب المتمردين من العاصمة بانغي بعدما تفادوا آخر بلدة رئيسة إلى الشمال منها، لكن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند أكد أن الوجود العسكري الفرنسي في جمهورية إفريقيا الوسطى لا يهدف إلى حماية النظام هناك ضد المتمردين، ولكن بهدف حماية الرعايا الفرنسيين والمصالح الفرنسية في البلاد، وقال أولاند أمس على هامش زيارته المفاجئة إلى أحد المصانع الفرنسية بمنطقة فال دي مارن بالقرب من باريس: «إن العسكريين الفرنسيين موجودون في «بانغي» لحماية المصالح الفرنسية والمواطنين فقط «وليس بأي شكل من الأشكال للتدخل في الشؤون الداخلية لإفريقيا الوسطى... فهذا العهد قد انتهى»، وردا على سؤال حول ما إذا كانت فرنسا تعتزم التدخل لصالح المشردين واللاجئين في إفريقيا الوسطى، أوضح الرئيس الفرنسي أن بلاده لا يمكن أن تتدخل إلا إذا كان هناك تفويض من الأممالمتحدة، مبيناً أن هذا هو ليس هو الحال. وذكر الرئيس الفرنسي أنه حرص على إعطاء توجيهات بضرورة توفير الأمن الكامل للسفارة الفرنسية في بانغي التي تم الهجوم عليها أمس من خلال العسكريين الموجودين بالفعل في البلاد لضمان سلامة الرعايا الفرنسيين في إفريقيا الوسطى، وأيضا أعضاء البعثة الدبلوماسية في البلاد، وكان الرئيس الفرنسي قد أعطى توجيهات أمس إلى وزير الدفاع جون إيف لودريان باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان سلامة المواطنين الفرنسيين الذين يعيشون في البلاد والذين يبلغ عددهم «1200»، بالإضافة إلى أعضاء البعثة الدبلوماسية في البلاد. ومن جانبها أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية أن هناك ما يقرب من «250» جندياً فرنساً يعسكرون في مطار بانغي لتوفير الدعم التقني والتشغيلي في إطار بعثة إحلال السلام في إفريقيا الوسطى التي تجرى تحت رعاية الجماعة الاقتصادية لإفريقيا الوسطى. وأضافت الوزارة أن مهمته العسكريين الفرنسيين ترتكز على توفير الأمن العام في البلاد ودعم إعادة بناء القوات المسلحة. رد فعل بوزيزيه في المقابل تظاهر مئات الأشخاص من أنصار الرئيس أمام السفارة الفرنسية في جمهورية إفريقيا الوسطى، فيما اعتصم جزء آخر أمام السفارة الامريكية، وامام السفارة الفرنسية قام بعضهم برشق المبنى بالحجارة وأنزلوا العلم الفرنسي غضباً من تقدم المتمردين في شمال البلاد، ورشق عدد من المتظاهرين مبنى السفارة بالمقذوفات مما أدى إلى كسر زجاج بعض النوافذ، وقال مراقبوان إن بعض المحتجين اتهموا فرنسا بدعم المتمردين، بينما طالب آخرون القوات الفرنسية في البلاد بمساعدة الجيش في وقف تقدم المتمردين، وصرح أحد المتظاهرين بأن فرنسا لم تحترم اتفاقية الدفاع التي أبرمتها مع جمهورية إفريقيا الوسطى «إننا نندد بهذا الموقف»، كما استهدف المتظاهرون أيضاً مكاتب شركة الطيران الفرنسية. ومن جانبه احتج السفير الفرنسي على التظاهرة واعتبرها عنيفة جداً. وبدوره قال مكتب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إن الرئيس أصدر أمراً للوزارة باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية السفارة والرعايا الفرنسيين في إفريقيا الوسطى. وفي السفارة الأمريكية قال شاهد عيان إن حشداً أصغر من المحتجين أغلبهم شبان مرتبطون بالحزب الحاكم تجمع أمام السفارة الامريكية، وتعرضت بعض السيارات التي تقل ركاباً بيضاً للرشق بالحجارة، واستخدموا الصفارات وهتفوا حاملين سعف النخيل «نريد السلام، لا الحرب». وصرح السفير الأمريكي سيرج موسيتي بقوله: «هذا الصباح جرت تظاهرة عنيفة أمام سفارة الولاياتالمتحدة الأميركية، وتلتها تظاهرة عنيفة جداً أمام قنصلية فرنسا تخللها رشق مقذوفات وكسر الزجاج، وقام متظاهرون بإنزال العلم الفرنسي من ساريته وأخذه»، وأضاف قائلاً: «هذا الوضع غير مقبول على الإطلاق، وأطالب حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى بفرض احترام الاتفاقيات الدولية بها الخصوص، كما أن الذين تصرفوا على هذا الشكل هم أعداء جمهورية إفريقيا الوسطى». الأجانب واخلاؤهم هذا، ودعت كل من الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة رعاياهما لمغادرة جمهورية إفريقيا الوسطى، وطلبت من حكومة هذا البلد حماية سفارتها فى بانغى، معربة عن قلقها العميق من تدهور الأوضاع الأمنية فى البلاد، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية باتريك فنتريل: إن وزارة الخارجية سمحت لعائلات الموظفين وللموظفين غير الأساسيين فى سفارتنا فى بانغى بالمغادرة إلى نيروبي على متن رحلات جوية تجارية بانتظار تحسن الأوضاع الأمنية. وفي السياق نفسه أبلغ مسؤولون تابعون للأمم المتحدة أن حوالي خمسين من موظفي الأممالمتحدة الأساسيين بقوا في إفريقيا الوسطى، بينما جرى نقل الباقين إلى السنغال وعددهم حوالى «200» موظف، وقال المتحدث باسم الأممالمتحدة مارتن نيسيركي من نيويورك: أنه جرى مؤقتا نقل جميع موظفي الأممالمتحدة غير الأساسيين وأسرهم. وقال إن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بإفريقيا الوسطى فوجئت بعدم تواصل التباحث مع الحكومة وقادة المتمردين بهدف التوصل إلى هدنة وبدء حوار. وفي الإطار أعلن المدير العام في وزارة الخارجية اللبنانية هيثم جمعة أن أبناء الجالية اللبنانية في جمهورية إفريقيا الوسطى وعاصمتها بانغي بخير، يذكر أن دولة لبنان لديها جالية ضخمة في إفريقيا الوسطى. الوضع في الميدان قالت ثلاثة مصادر مطلعة، إن المتمردين فى جمهورية إفريقيا الوسطى تقدموا نحو العاصمة بانغى، وأنهم سيدخلونها خلال ساعات من المتوقع إعلان ذلك صباح اليوم «الجمعة»، بعد أن تجاوزوا آخر بلدة كبيرة تسيطر عليها الحكومة شمالي المدينة. وقال مصدر عسكري، أحد موظفي المساعدات، إن المتمردين وصلوا إلى دامارا الواقعة على بعد «75» كيلومترًا من بانغى بحلول العصر بعد أن تفادوا بلدة سيبوت، التى انتشر فيه زهاء «150» جندياً تشادياً فى وقت سابق لإعاقة تقدم المتمردين جنوبًا نحو العاصمة. وقال مسئول حكومي إن هذا صحيح وإنهم على أبواب بانغى. في السياق نفسه قال ريجوبرت أنزا الذي يعمل في مكتب رئيس بلدية كاجا باندورو التى سيطر عليها المتمردون بعد فراره إلى بلدة سيبت المجاورة الواقعة إلى الجنوب، أنهم استولوا على البلدة بعد معركة قصيرة رغم عدم اتخاذ «الجنود» التشاديين أي إجراء وهو ما يدعو للدهشة. وتضم القوات الأجنبية في كاجا باندورو جنودا من تشاد جرى ارسالهم في الأسابيع القليلة الماضية لمساعدة الحكومة على التصدي لحركة التمرد الأحدث في البلاد، إضافة إلى أعداد من قوة استقرار إقليمي شكلت من جنود من أنحاء إفريقيا الوسطى، لكن ابنة مسؤول ثان بالحكومة المحلية في البلدة قالت إنها تلقت اتصالا من والدها يؤكد سقوط البلدة في أيدي المتمردين. وفي تطور متصل أعلن الجنرال جان فليكس أكاغا قائد القوة المتعددة الجنسيات في وسط إفريقيا أنها ستنشر مئات الجنود في جمهورية إفريقيا الوسطى، وأن هذه القوة سترسل تعزيزات لضمان أمن بانغي، وصرح الجنرال أكاغا للإذاعة الوطنية في إفريقيا الوسطى أن القوة المتعددة الجنسيات في وسط إفريقيا تسهر على ضمان أمن بانغي إلى أقصى درجة. نداء الرئيس الأخير كأنه النداء الأخير.. دعا رئيس إفريقيا الوسطى فرانسوا بوزيزيه الولاياتالمتحدةوفرنسا أمس «الخميس» إلى مساعدة بلاده في دحر قوات المتمردين الذين تقدموا نحو العاصمة بانغي، وقال بوزيزيه أمام حشد بالميدان الرئيس في بانغي «نطلب من أبناء عمومتنا الفرنسيين والولاياتالمتحدة باعتبارهما قوتين كبيرتين أن يساعدونا على دحر المتمردين إلى مواقعهم الأولى بطريقة تسمح بإجراء محادثات في ليبرفيل «عاصمة الغابون» لحل هذه الأزمة، وكانت وحدة من القوات الخاصة الأمريكية أتت من كمبالا تمركزت في شرق إفريقيا الوسطى قرب الحدود مع السودان، لمساندة قوات دول وسط إفريقيا التي تحارب مليشيا جيش الرب اليوغندي، لكن يبدو أنها لن تتدخل أيضا. علاقات الخرطوم وبانغي تعتبر العلاقات الثنائية بين السودان وإفريقيا الوسطى منذ افتتاح السفارات في عاصمتي البلدين في عام 1967 وحتى عام 2012، كانت العلاقات بين البلدين في مجملها طيبة، غير أنها لم تخل من بعض المنغصات في أوقات متفرقة، وبصفة خاصة بعد اندلاع أزمة دارفور في عام 2003 والتمرد في شمال غرب إفريقيا الوسطى، لكن العامل الفرنسي الواضح في سياسة حكومة إفريقيا الوسطى الخارجية عموماً وسياستها، كان سيد الموقف حيال العلاقة مع السودان أحياناً، كما تقلصت حدود إفريقيا الوسطى مع السودان عقب انفصال جنوب السودان من 1070 كيلومتراً إلى 380 كيلومتراً، لكن التداخل القبلي بين الدولتين لديه تأثير، حيث يتداخل البلدان ب«9» قبائل مشتركة، إضافة إلى القوات المشتركة بين الجانبين تشارك فيها دولة إفريقيا الوسطى بعدد قليل من القوات لا تتجاوز كتيبة ودعمها بالكامل من الخرطوم من تجهيزات نقل ومعدات عسكرية، لكن بانغي تحتفظ بعسكر«سام أونغا» الواقع داخل إفريقيا الوسطى الذي يحوى لاجئي دارفور. رأي الخبراء اتفق عدد من الخبراء على ضرورة انتظار السودان حتى تتضح الرؤية حيال الأوضاع التى تمر بها دولة إفريقيا الوسطى لاتخاذ قرار لما ستسفر عنه تطورات الأوضاع في تلك البلاد، سيما وأن فرنسا تدعم المتمردين بصورة واضحة، وقال مساعد المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات السابق مدير مركز العلاقات الدولية السابق الفريق محمد نجيب عبد المجيد ل«الإنتباهة» إن ما حدث بإفريقيا الوسطى كان متوقعاً منذ فترة نسبة لتردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وتوقف المعونات الخارجية من فرنسا والدول الأخرى بما فيها نظام القذافي السابق في ليبيا عقب رحيله، وقال محمد نجيب وهو قنصل سابق للسودان بإفريقيا الوسطى: إن تأثيرها على السودان كبير بسبب الحدود لأنها ممتدة، مطالباً حكومة السودان بترقب النتيجة النهائية للوضع للحكم فيها، إضافة إلى أن التمرد داخلي، وقد تكرر على سنوات متفاوتة، وأن تلك البلاد لم تنعم بالاستقرار يوماً رغم الثروات الضخمة التى تمتلكها من مناجم للألماس وغيرها، ويشير الفريق محمد نجيب بأن انهيار الاقتصاد بإفريقيا الوسطى هو السبب الرئيس للتمرد خاصة وأن عام 2012 كان خالياً من الموارد التى كانت تحصل عليها تلك الدولة من فرنسا وليبيا وغيرهما، لذا فإن ما جرى هو انفجار لحالة الاحتقان الجارية بالبلاد، وهو نفس السبب الذي جاء بالرئيس الحالي للسلطة، وحول التدخل الخارجي استبعد الخبير الأمني دعم الكونغو وأغندا في ذلك لأسباب عديدة، وفي السياق يقول مصدر أمني مطلع إن الأوضاع في إفريقيا الوسطى ستسفر عن تشكيل جديد في المنطقة، لكن مصدراً مراقباً مطلعاً أبلغ «الإنتباهة» أن تشكيلة متمردي إفريقيا الوسطى هم من أغلبية مسيحية وأن النظام التشادي رغم إرسال عدد من القوات لكن لم يشارك صديقه بوزيزيه في أزمته وأن المدن التى سقطت حتى الآن هي المدن الرئيسة في إفريقيا الوسطى، لذا فإن المتوقع سقوط العاصمة خلال ساعات أو حتى يوم السبت أو الأحد على أقصى تقدير حال عدم استمرار المفاوضات بين الرئيس والمتمردين. اخيراً إن خطورة تلك العمليات على السودان تكمن انها تتم في إطار موزا لوجود عمليات عسكرية بواسطة قوات سودانية لدحر متمردي دارفور، مع الجيش الشعبي «قطاع الشمال»، بجانب أن كل مجريات الأحداث مجاورة تتم بنسق واحد يجب أن يحذر السودان منه، خاصة وأن رياح الربيع الإفريقي يبدو أنها بدأت مع الشتاء.