٭ جوهر خطب الجمعة عند الصادق المهدي هو انتقاد حزب المؤتمر الوطني الحاكم ومهاجمته، والحديث عن القضايا العامة التي لا يهتم بتفاصيلها أغلب الناس، وهكذا تكون خطبة تعبئة سياسية واستقطاب، وليس فيها بالتالي قيمة إرشادية وإصلاحية لعامة الناس الذين ينبغي أن يستفيدوا من خطب الجمعة في تقييم الأحداث والتطورات بعرضها على الكتاب والسنة. وما ينبغي أن يتحدث فيه السيد الصادق المهدي في منبر الجمعة أيضاً ولكنه لا يفعل، تجده يناقشه في وسائل الإعلام مثل الصحافة والتلفاز، مثل قضية المرأة التي أغنى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن عنائها بالكتاب والسنة، واجتهاد العلماء وليس رؤساء الاحزاب الساعين إلى السلطة أو المشاركة فيها بمستوى عالٍ لا يقل عن رئيس وزراء. ينادي السيد الصادق بالدولة المدنية ويرفض «الدولة الدينية»، بحجة أن الشعب السوداني متعدد الثقافات، ولكنه يجعل من منبر الجمعة داخل المسجد منصة سياسية للهجوم، فلماذا إذن يكون المنبر الديني منطلقاً لمشرق الدولة اللادينية؟!.. هل هذا معناه إفراغ حتى المنبر الديني من محتواه لتكون المساجد للمجتمع المدني ومنظماته وليست لله؟! هل الاستفادة من منبر المسجد لصالح موجهات حزب الأمة القومي؟! هل لصالح موجهات تحالف المعارضة أو تحالف جوبا؟! فمن حق حزب الأمة القومي أن يعارض، لكن بأي أسلوب؟! إن الأسلوب الأفضل لمعارضة يمكن أن تكون مثمرة ومجدية من خلال منبر خطبة الجمعة هو الانتقاد بالقرآن والسنة وليس بوجهات النظر السياسية. والأغرب جداً أن السيد الصادق في منبر الجمعة يشبه حالة من الحالات بأغنية للفنان الراحل هاشم ميرغني تقول كلماتها: غيب وتعال.. تلقانا نحنا يا نحنا.. لا غيرتنا الظروف.. لا هزتنا محنة.. وهو يشبه بهذه الكلمات التي تولدت من اشتياق الشاعر إلى حبيبته، يشبه بها طريقة مناداة الحزب الحاكم للأحزاب للمشاركة في السلطة. لكن هل يرى الصادق أن الحزب الحاكم يتحرق شوقاً ويلتاع اشتهاءً لمشاركة المعارضة في السلطة، في وقت يحتاج فيه لتقوية عنصر الدفاع عن المواطنين ومصالحهم في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان؟! السؤال بماذا يمكن أن تفيد مشاركة أحزاب المعارضة في هذه المرحلة الحالة الأمنية والاستقرار في بعض مناطق البلاد؟! إن السيد الصادق تستفيد منه البلاد وهو معارض وليس مشاركاً في السلطة.. باعتبار أن رأيه ونقده بوصفه معارضاً يشكل لفت نظر مهماً للحكومة، لكن مشاركته بمنصبه المحبب له «رئيس وزراء» يعني للجماهير تطبيق «تجريب المجرب».. ففي السلطة سيتناسى السيد الصادق شعارات الضغط التي يرفعها في المعارضة، وسينشغل من جديد بحل الحكومة وتشكيلها من جديد كل شهر، وقد نشاهد من جديد مسلسل «أبو حريرة» وهو الدكتور محمد يوسف أبو حريرة وزير التجارة والتعاون والتموين في عهده في الديمقراطية الثالثة في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي.. إذن الصادق نريده معارضاً. عرمان يحاكي ٭ مطالبة عرمان الإدارة الأمريكية بأن تتدخل لإسقاط الحكومة في الخرطوم، يعني أنه يريد أن يستمر في إطلاق التصريحات، بمعنى أنه مازال يتمتع بالحياة السياسية بعد انفصال الجنوب الذي تحكمه الحركة الشعبية المنتمي إليها، لأن صمته بعد الانفصال يعني أنه كان يحارب معها على طريقة المرتزقة، وبالطبع أن الغريب والعجيب هو أن يكون عرمان مرشحاً في الانتخابات الفائتة لرئاسة الجمهورية وتسحبه الحركة الشعبية عنها ثم يذهب بعد ذلك إلى واشنطون ليطالب بإسقاط الحكومة المنتخبة بمراقبة دولية..هذا شيء. أما الشيء الثاني فيجيب عليه السؤال القائل: لمصلحة من تُسقط واشنطون حكومة الخرطوم؟! هل لصالح الحركة الشعبية التي يقودها في الشمال عرمان وعقار والحلو؟! هل هؤلاء أولى من الصادق المهدي والميرغني وآل الهندي الذين يتمتعون بتأييد جماهيري واسع؟! وهل يريد عرمان أن تفعل له واشنطون ما فعلته لثوار ليبيا ومن قبل شيعة العراق ومعارضة حلف الشمال الأفغاني أيام حكم طالبان؟! إن هؤلاء تتجاوب معهم جماهير ضخمة بالداخل، لذلك كانت تتدخل واشنطون بالقرار والدعم، والتنفيذ قد وجد التجاوب من هذه الجماهير.. وتجاوب مع الغزو الأمريكي لواشنطن تحالف اصحاب الشمال بقيادة الراحل أخيراً برهان الدين رباني الذي تعرض للاغتيال بعملية انتحارية، وتجاوب مع غزو واشنطن للعراق طائفة أحمد الجلبي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي والحكيم والخوئي.. وتجاوب مع حلف الناتو في ليبيا ضد القذافي الثوار من معظم الشعب الليبي، والقذافي أسوأ من الناتو.. أي أن الثوار هناك فعلوا المناسب جداً، وهو الاستجارة من نار القذافي برمضاء الناتو.. ولكن من يتجاوب مع واشنطون من الداخل هنا لصالح ياسر عرمان؟! هل لعرمان جماهير بحجم جماهير الصادق والميرغني والبشير وآل الهندي وأنصار السنة والإخوان المسلمين؟! هل يراهن عرمان على الشيوعية ومريدي أزرق طيبة، وهو الرجل الذي استفز أغلب أهل الشمال باستقباله لباقان أموم؟ إن باقان هو الأمين العام للحركة الشعبية، لكنه لم يعد الأمين العام للتجمع الديمقراطي المعارض الذي تفرق أيدي سبأ. إذن يريد عرمان أن يُحاكي حالات سابقة بمطالبته لواشنطون بأن تسقط حكومة الخرطوم، ولو كان الشعب بالداخل يريد إسقاطها لأسقطها مثلما فعل مع نميري وهو في واشنطون.. لكن يبقى السؤال الساذج جداً هل عرمان والحلو وعقار أفضل من المؤتمر الوطني في نظر الشعب السوداني؟! هذا هو السؤال الذي يحدد مدى جدوى مطالبة عرمان الحقيرة لواشنطون. «نلتقي يوم الثلاثاء بإذن الله».