ترى ماذا يمكن أن يكتبه كاتب حول آخر التطورات في ملف القضايا العالقة واللاحقة بين السودان وجنوب السودان؟! في كل مرة نفس المسرحية ونفس الممثلين ونفس الجمهور. الحكومة السودانية في الخرطوم ما زالت ترى باستمرار الارتباط الوثيق بين قطاع الشمال والحركة الشعبية الحاكمة في جوبا التي يتبع لها أصلاً هذا القطاع منذ التحاق أول مجموعة من الشماليين بالتمرد عام 1986م. والحركة الشعبية تقول بعدم وجود علاقة بين متمردي قطاع الشمال والجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية والذي هو الآن جيش جنوب السودان فقد حل محل القيادة العسكرية الجنوبية التابعة للجيش الشعبي منذ إدخال اتفاقية نيفاشا حيّز التنفيذ عام «2005م».. ووجد الدعم والتمويل بعد ذلك من جهات أجنبية من بينها إسرائيل. هذا الدعم والتمويل الأجنبي للجيش الشعبي لا بد أن لقوات قطاع الشمال حصة منه، ولا يمكن تخيل غير هذا. لكن يبقى السؤال الأهم هو: ماذا سيكون في نهاية مطاف الحركة الشعبية وهي في كل مرة تراوغ وتتسبب في تأجيل التفاوض؟! إن تأجيل المفاوضات وتأخير الاتفاق يجعلان دولة الجنوب الوليدة النفطية وكأنها ما عادت دولة نفطية، لكن في نفس الوقت فإن السودان يتحمّس لاكتشاف حقول النفط، ويقول وزير النفط عوض الجاز إن 40% من أراضي السودان موعودة بإنتاج النفط والغاز. لكن جنوب السودان يبدو أنه موعود بأن يكون مخلب نمر المؤامرات الأجنبية ضد السودان.. والاعتداء على حقول النفط في هجليج يبقى مثالاً حياً لذلك. الغريب أن باقان أموم أمين عام الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا كان يتحدّث عن أن تأخير استئناف ضخ نفط دولة الجنوب عبر السودان سيقود إلى انهيار الدولتين. ومعلوم أن قرار إيقاف إنتاج النفط الجنوبي قد صدر عن حكومة جوبا. فهل كانت تجهل هذه الحقيقة أم أن طاعة القوى الأجنبية حتى ولو على حساب الشعب تراها الحركة الشعبية ضرورية ولا بد منها؟! وإذا افترضنا الآن أن باقان أصبح مثل الحكومة السودانية يخشى انهيار الاقتصاد للدولتين، فإن السؤال هو أوليس هذا الانهيار هو إحدى غايات القوى الأجنبية الداعمة لحكومة الجنوب وقواتها ضد السودان؟! لماذا يتحدّث باقان عن انهيار الاقتصاد وهو مكلّف من القوى الأجنبية بتحقيقه مقابل تحقيق مصالح تخص حركته فقط وتأتي على حساب القبائل الجنوبية ومنها قبيلته باستثناء المنتمين من أبنائها للحركة الشعبية؟! فك ارتباط الحركة الشعبية بقطاعها الشمالي يعني أن حكومة جوبا تتمرد على الأجندة الغربية وتتنصل من مهمة تحقيق الأهداف الإسرائيلية في المنطقة، لذلك رأت حكومة جوبا أن الموقف التوفيقي بين أديس أبابا وتل أبيب أي بين التفاوض والتآمر هو أن تنكر بقوة عين وبلا خجل ارتباطها بقطاعها الشمالي.. نعم هو قطاعها الشمالي وهو قطاع الشمال في الحركة الشعبية بمعنى أن قطاع الجنوب هو الحاكم في جوبا، وأن ارتباط قطاع الشمال به يستشرف أملاً في أن يكون هو الحاكم مستقبلاً في الخرطوم وبذلك تتحقق دولة السودان الجديد. لذلك فإن المطالبة الأكثر منطقية هي أن تحل الحركة الشعبية قطاع الشمال، وتبقى بلا قطاع شمالي، وكاتب هذه السطور لم يتخيل كيف يكون فك الارتباط. حتى ولو أعلنت الحكومة في جوبا فك ارتباطها بقطاع الشمال، فإن ذلك عملياً يبقى شكلياً، فالحركة الشعبية ليست جناحاً لحزب كاديما والليكود أو شاس الإسرائيلية ومع ذلك تنعم بالدعم الإسرائيلي، ويمكن أن ينعم قطاع الشمال بالدعم من جوبا حتى بعد إعلان فك الارتباط.