لم يقتنع كثير من الناس بأن قمة الرئيسين البشير وسلفا كير، قد حققت أهدافها وكسرت جمود العلاقة وأزالت العوائق من أمام علاقة البلدين التي تُقدِّم رجلاً وتُؤخر أخرى. من الناحية الشكلية، لم يصدر البيان حول اختتام القمة من رئاسة الوزراء الإثيوبية صاحبة المبادرة، بل صدر من الوساطة الإفريقية التي يترأس آليتها ثامبو أمبيكي الرئيس الجنوب الإفريقي السابق.. ولربما لو صدر البيان الختامي عن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي أو من خلال تصريحات صحفية مشتركة للرئيسين عقب انتهاء قمتهما ، لكان ذلك أوقع وأقرب لبعث روح التفاؤل لدى منتظري انفراج العلاقة بين الجارين... فصدور البيان من الآلية الإفريقية أضعف من تمخضاتها ونتائجها التي أعلنت بعدها بساعات طويلة من خلال بيان أمبيكي أو تصريحات سيد الخطيب، عضو الوفد وتصريحات مقابلة لوفد دولة الجنوب. لكن المهم لدينا هو ما أعلنه سلفا كير رئيس دولة الجنوب في الترتيبات الأمنية، حول تعهده بكتابة خطاب يتم تسليمه للوساطة الإفريقية يفيد بفك الارتباط مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، وأشار إلى أنه سبق وأصدر قرارات بهذا الشأن بفك الارتباط وهي الآن موضع تنفيذ .!! الجميع يعلم أنه لم يتم فك الارتباط لا من قبل ولا من بعد، فما تزال عملية دعم ومساندة الفرقتين التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي مستمرة وقواتها منتشرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ويأتي الدعم عبر ولاية الوحدة الجنوبية إلى جنوب كردفان ومن أعالي النيل إلى النيل الأزرق وعبر منافذ أخرى على طول الحدود المشتركة بين البلدين. ثم إن قصة المكتوب الرسمي تبدو غير منطقية أو موضوعية ولأول مرة في السياسة الدولية نسمع عن إجراء من هذا النوع، فالمعروف أن مثل هذه الأمور تتم عبر اتفاق واضح وآليات تنفيذ ومراقبة وتحقق أكثر وضوحاً ولجان مشتركة وعمل حقيقي على الأرض، يتم وفق معلومات دقيقة ومعطيات ملموسة، فماذا يفيد تعهد مكتوب أو خطاب رسمي يمهره سلفا كير بتوقيعه يكون ضماناً وتأكيداً بأن دولته قد فكت الارتباط مع قطاع الشمال في الحركة الشعبية الذي يُعبِّر الاسم ذاته عن صلة قوية ما تزال تربطه بالحركة الأم التي تحكم في الجنوب، بل هو خارج من رحمها الخبيث .!! هل فك الارتباط هو وثيقة عقد يتم تمزيقها أو وثيقة طلاق أو شهادة حسن سير وسلوك أو وصل أمانة أو تعهُد شخصي وضمان يسلمه سلفا كير وحكومته للوساطة الإفريقية، كدليل على البراءة من رجس الارتباط بقطاع الشمال وتبرؤ منه؟؟ أم أن المطلوب هو ترتيبات ذات تفاصيل دقيقة وإجراءات عملية تتخذ موقفاً سياسياً معلناً وإغلاقاً لمنافذ الدعم والمساندة وطرد لقيادات قطاع الشمال من الجنوب ووقف كل النشاط العسكري والسياسي المنطلق من أراضي دولة الجنوب ضد السودان، وإقامة فرق مشتركة للمراقبة ولجان تحقق من الاتحاد الإفريقي. في هذا السياق وردت أحاديث من الآلية الإفريقية حول الترتيبات وخارطة الطريق التي اعتمدتها القمة لتنفيذ الترتيبات الأمنية وغيرها من الاتفاقيات، لكن المثير للقلق هو حديثه عن اللجوء لمجلس الأمن الدولي لتطبيق وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهذا يعني أن ما اعتمدته القمة ربما جاء هشّاً وليس مطمئناً بما يكفي لتنفيذه على الأرض أو هو قابل للتفسيرات المتناقضة والمتعارضة .! وذكرتني قصة المكتوب الرسمي لرئيس دولة الجنوب الذي سيقدمه للوساطة الإفريقية بفك الارتباط مع قطاع الشمال، بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي وقع اتفاقيات أوسلو مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، وظلت بعض البنود سرية وظل عرفات يقول دائماً عن الوضع النهائي للقدس والدولة الفلسطينية المستقلة، إن هناك «وديعة رابين» تركها مغلقة تتضمن ما اتفق عليه وهي تحمل موافقته على ترتيبات قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية، ثم اكتشف بعد ذلك أنه لا وجود على الإطلاق لما يسمى ب«وديعة رابين» ولا يحزنون!!.. وحتى إن وجدت فقد ذهبت أدراج الرياح. فنخشى على وديعة سلفا كير أن « تماص وتشرب مويتها» .!!