وقفات وذكريات عن السيرة العطرة للأستاذ الجليل الراحل المقيم محمد الأمين الغبشاوي الذي عرفناه وعاصرناه من خلال العمل العام للفترة الممتدة «20/6/1980م» حتى «5/4/1985م»، وهو رئيس للهيئة البرلمانية لمجلس الشعب للإقليم الشمالي الذي ضم مديرية النيل والشمالية وقتها، والذي تعلمنا منه وهو البرلماني المخضرم وصاحب الخبرة التراكمية في مجال العمل العام على المستوى القومي، وكيف يكون العمل البرلماني من خلال الممارسة الفعلية هو المشروع والمراقب والمحاسب والناصح للجهاز التنفيذي دون انحناء أو انكسار أو رهبة أو وجل أو خوف لإحقاق الحق وإبطال الباطل. وكيف يكون ذلك كذلك بقدر من الانسجام والتناغم والتنسيق، دون تقاطعات بين الأجهزة التشريعية والتنفيذية والسياسية من أجل الهدف الأسمى لمصلحة الإقليم ونهضته وتنميته وسعادة ورفاهية أهله وسكانه عامة، فكان فقدينا ثالثاً من سبعة من القيادات الدستورية للمجلس الذي يتكون من «47» عضواً يمثلون مديرية النيل والمديرية الشمالية آنذاك منهم: طيفور محمد شريف،رئيس المجلس، ومحجوب علي مختار، نائبه ومحمد الأمين الغبشاوي،رئيس الهيئة البرلمانية، وإبراهيم محمد عثمان، وجعفر أحمد دفع الله، ومحمد أحمد القاضي، ومحمد الحسن بابكر. فطبت حياً وميتاً أستاذنا الجليل غبشاوي فقد كنت بيننا شجرة وارفة الظلال كنا نتحلق حولها عند هجير النهار وساعة المقيل صفاءً روحياً ودروساً في الوطنية ومعاني النضال والتضحية ونكران الذات في مجال العمل العام، ونشهد له بالصدق والشجاعة والأمانة والمبادرة الوطنية والغيرة، مع الاهتمام بالتنمية وتطوير الإقليم وترقية خدماته عامة والتعليم بصفة خاصة. والارتقاء بالعمل الزراعي والصناعي ودعمه وتطويره ورفع شأن منسوبيه. والاهتمام بحقوق العاملين بالدولة عامة وفئات المعلمين خاصة، ومع اهتمامه بتماسك النسيج الاجتماعي لأهل الولاية وتوفير الخدمات الأساسية لهم وإصلاح ذات البين، والمحافظة على القيم والموروثات الدينية والعلاقات الاجتماعية ومكارم الأخلاق كان همه القضايا الوطنية ووحدة الصف لأهل الإقليم والسودان عامة. وفوق هذا كله وقبله كان أول من تبنى مذكرة هيئة النشاط الإسلامي بمدينة الدامر التي رفعت لحاكم الإقليم الشمالي ورئيس المجلس التشريعي لتحريم الخمر بالإقليم الشمالي في نهاية عام «1982م»، فكان ذلك قبل صدور التشريعات الإسلامية على المستوى الاتحادي في عهد الرئيس جعفر نميري في سبتمبر عام «1983م»، فكان دوره دور الرائد والقائد بالطرح والنقاش والمدافعة والتأصيل للمشروع داخل المجلس، حتى تمت إجازته في كل مراحله القانونية، وتوقيع رئيس المجلس طيفور محمد شريف وحاكم الإقليم البروفيسور عبد الله أحمد عبد الله عليه، وصار قانوناً نافذاً وبموجبه تم قفل البارات والخمارات وخلافها، فكان هو أكثر الناس سعادة بهذا القرار وهذا الإنجاز التاريخي، ويشهد له ذلك الموقف وهو في عليين مع المصطفَين الأخيار، ولكل عضوية تلك المؤسسة الأحياء منهم والأموات، سائلين الله في ختام هذه الرسالة للأموات من القيادة والعضوية عامة الرحمة والغفران، وللذين هم على قيد الحياة الصحة والعافية بين أهليهم وعشيرتهم، فلتكن هذه الرسالة مساحة تواصل للذين هم على قيد الحياة تعظيماً لروح الفقيد ومناقبه وأفكاره السامية الأصيلة.