** (هذه نسخة طبق الأصل من محادثة تلقيتها ذات يوم، لم أُغيِّر فيها سوى بعض كلماتها الدارجة إلى مرادفاتها الفُصحى).. - ... ألو..!! - أهلاً.. - هل تعلم السبب الذي جعل شركات الاتصالات تحقِّقُ هذا النجاح الساحق، الذي شهِدَ به الأصدقاء والأعداء، و«البين بين ، وأنا منهم»؟؟! - لا أعلم .. - السبب هُوَ أنَّهُم تعاملوا عن قصد أو بالصدفة في سلعة من أندر السلع وأكثرها رواجاً و«طلباً».. - ما هي؟؟ - المستمع الجيد.. أنا شخصياً لا أُمانِعُ، أحياناً، من دفع الكثير لقاءَ مُستمِعٍ جيِّد، أُثرثِرُ معهُ «كما أفعَلُ الآن معك»، وأنت كذلك، و«عم عبدُه» بواب المستشفى، وحوَّاء» ست الشاي»..و .. - لا أفهم!! - تصوَّرْ أنَّكَ تجلِسُ، في بيتِكَ أو في مكتبك، وحيداً، ضجراً، تتقاذفُ عقلك الخواطرُ و«الاكتشافات»، فلا تَجِدُ أحداً تبُثُّهُ ما يخطُرُ لك من كلمات حمقاء.. ولا أحداً تشتُمُهُ ، أو تتبادلُ معهُ لوم الحكومة، أو تعديل نظريّة النسبيّة الذي اكتشفتَهُ للتو، أو النظريّة الاجتماعيّة التي خرجتَ بها من جولتك صباح الأمس في السوق.. تصوَّرْ أنَّكَ في وضعٍ بائسٍ كهذا، تلتفتُ فجأة، فتجِدُ بجانبك جهاز «هاتف» جوَّال أو «مقيم» تسري فيه الحرارة.. ماذا تفعل؟؟ - أُهاتِفُ أحد أصدقائي، وأُفرِغُ في أُذُنيهِ كُلَّ «إنتاجي» لذلك اليوم!! - أرأيت؟!! هذا أنت، فماذا تقول عن ربَّات البيوت في أحياء الخرطوم.. في الحاج يوسف والدروشاب وأمبدَّة، بل ونساء الأقاليم البعيدة التي شملتها تغطية شركات الهاتف، ساق النعام وكاب الجداد وأُم الطيور وأبو قوته و... كانت إحداهُنَّ، عندما تتراكم الثرثرة في خاطرها وتُهدِّدُ جُسور صمتها بالانهيار، تُهرَعُ إلى بيوت أقرب جاراتها، وهي «تحوش» الكلمات وتذُودُها ذوداً، حتّى لا تندلِقُ في الطريق.. ورُبَّما وجدت الجارة غائبة، أو منشغلة .. الآن لن تُبالي، ولن تُغادِر بيتها.. وحتّى إن وجدت «الخط مشغول» فإن «فتاة الرد التلقائي»، تلك التي حفَّظوها ثلاث عبارات بالعربيّة والإنجليزيّة، تقوم بترديدها بلا سأم طوال الوقت، لن تُمانع في سماع ما خطر لحاجّة السُّرَّة أن تقولهُ لصديقتها «حاجّة الشول»، التي سبقتها إليها الحاجة بتول فأصبح الخط مشغولاً... - أها .. وبعدييييين؟؟!! - لا شيء.. خطر لي فقط أن أُفيدك بهذا الاكتشاف الذي داهمني للتو.. وبالمناسبة فإنَّ في حيِّنا أُناساً لن تُصدِّق أبداً أنَّهُ يُناسِبُهُم اقتناءُ هواتف، ومع ذلك، دفعهُم كَرَمُ شركات الهاتف إلى اقتنائها!! - مثل من؟ - عمّ كورينا «الأطرش»، الذي يسكُنُ وحيداً، وتحتاجُ إلى ميكروفون عالي الكفاءة لتقول لهُ :«سلام عليكم»، فيرُد عليك :«الحمام وينو؟»!!.. رأيتُهُ ذاهِباً لتسديد فاتورة هاتفه الجوال!!.. وجارنا آدم الأخرس، والذي يسكُنُ وحدهُ أيضاً، دفع بضعة مئات من الجنيهات لقاء محادثاته التي يعلمُ اللهُ وحدهُ كيف أجراها!!! - هذا «تأليف» منك يا أخي، وسُخرية من فئات عافاها الله من داء الثرثرة الذي ابتلاك به.. بس ما قُلتَ لي يا أخي : إنت منُو؟ وعايز شنو؟؟ - ما مُهِم أنا مُنُو.. والعايزُو لقيتُو.. مع السلامة !! - ألو .. ألو.. ألو... - ......................... * ولكن تجارة الكلام لم تقف عند حدود شركات الاتصالات .. غداً بمشيئة الله أريك كيف أصبح الكلام «مشروعاً استخبارياً»..