تعتقد ابتهال يوسف حسن المتخصصة في علوم الأسماك والحياة البرية والأستاذ المشارك بمتحف التاريخ الطبيعي أن التحنيط فن أكثر من كونه علمًا، فالمحنِّط يجب أن يمتلك مخيلة واسعة لتصوير الحيوان بشكل مشابه له في الطبيعة، وهو عندها يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالرسم والنحت والتشريح، وقد عرَّفه أجدادنا القدماء بأنه أخذ جلد الحيوان بعد إخراج الأحشاء الداخلية منه وجزء من المفاصل وتلبيسه بطرق معينة في مواد سلكية وحشوه بقطن أو نشّارة وغير ذلك مع ضرورة إلمام من يقوم بهذا العمل بتفاصيل وأجزاء جسم الحيوان المعني ويتوخى الدقة في مسألة سلخ الجلد حتى لا يتأثر بأي نوع من الخدوش أو الجروح... (الإنتباهة) جلست إليها في دردشة حول هذا العلم وأسراره والعديد من التساؤلات التي تطرقنا إليها فمعنا إلى نص الحوار.... الى أي عهد يعود التحنيط؟ يعود إلى الحضارة الفرعونية والصينية فقد بدأ الأمر بتحنيط جسم الإنسان بما يسمى بالمومياء، وحديثًا كان يتم تحنيط ضحايا الحروب الأهلية الأمريكية والصليبية لدفنهم في موطنهم الأصلي، وحتى الآن لم يتم التعرف على سر التحنيط علميًا عند الفراعنة ولا يوجد نموذج ثابت له فكل شخص لديه طريقته الخاصة في التحنيط، ويظل التحنيط دومًا أكثر ألغاز الفراعنة غموضًا وإثارة. ماهي المواد المستخدمة وهل هي في متناول اليد؟ نستخدم ملح الطعام لدبغ الجلد وأدوات لتشريح الحيوان كالمشرط والفورملين لحفظ السائل كالأسماك والزواحف الصغيرة والزرنيخ الأبيض للدباغة وصابون غسيل والجرسلين والبوراكس والكبرتيت المركز وكاميرا للتصوير وعيون صناعية وإطار بلاستيكي للأذن إضافة إلى قطن ونشارة وخيش للحشو، كذلك توجد طريقة تقليدية يمكن من خلاله للشخص التحنيط بالمنزل باستخدام القرض والقرنفل وملح الطعام العادي. المواد متوفرة وهناك إقبال من المجتمع على معرفة التحنيط. فمجرد سماع الكلمة مشوق للاكتشاف. كم تدوم مدة التحنيط؟ سنين طويلة، ففي المتحف لدينا بالمتحف عينات منذ (50) عامًا ويمكن أن تطول المدة ما لم تؤثر عليها الظروف الطبيعة، ففي العادة تُحفظ المادة في زجاجة وتضاف إليها مادة النفثالين وحاليًا يستخدم السليكون بعد تجويف الجسد وهو من أقوى المواد التي لا تتأثر بالطبيعة ولكنه غير متوفر في البلاد. كم تستغرقين من وقت لتحنيط حيوان؟ في الغالب ما بين (3 7) أيام، فالدباغة وحدها تحتاج إلى ثلاثة أيام. أول حيوان قمت بتحنيطه وأكثر الحيوانات التي يتم تحنيطها؟ الكلاب الضالة التي ظهرت في البلاد قبل أعوام استلمنا كلبًا بواسطة الحياة البرية بمعاونة البروفسير علي سعد، وكانت المهمة في غاية الصعوبة نسبة لأن الحيوان لم يُقتل بصورة علمية وظلت الجثة أيامًا مما عرَّضها لبعض التغييرات، ومن أكثر أنواع الحيوانات التي حنطتها الطيور والثديات الصغيرة. أضخم حيوان قمت بتحنيطه؟ قمت بتحنيط أصلة وقد واجهت صعوبة في تحنيطها لكبر حجمها وضخامتها بطول (150) سم وقد استغرق الأمر ثلاثة أيام و تم حفظها في سائل الفورملين. هل يختلف تحنيط الحيوان عن الإنسان؟ نعم.. هناك اختلاف كبير، فتحنيط حيوان لآخر يختلف حسب نوع الحيوان وحجمه، فكلما صغر حجم الحيوان كان تحنيطه أصعب ويحتاج إلى دقة أكثر، فالطيور مثلاً يكون الريش أكثر عرضة للتلف، وقديما كانوا يستخدمون صفق شجر الصفصاف لطعمه المُر إضافة إلى كونه يساعد على قتل الحشرات وبقاء الجثة لفترة طويلة. وقد تم اكتشاف الشب والعسل عن طريق الصدفة، وكان العسل قديماً يُستخدم لتحنيط جثث الفراعنة ويتم دبغ الجثة بالعسل بعد إفراغها من الأحشاء الداخلية لذلك تبقى الجثة لآلاف السنين، ومن الشخصيات البارزة التي حنَّطت بالعسل الإسكندر المقدوني. السلخ والتشريح عملية جراحية مكتملة الأطراف هل تعتقدين أن هذه المهنة تناسب حواء؟ عن نفسي لم أجد صعوبة في خوض هذا المجال بحكم الدراسة، ولكن عمومًا التشريح من أصعب المراحل، فمثلاً إذا أردت تحنيط طائر فلا بد من عمل فتحة في منتصف البطن وسلخ الجلد سلخًا كاملاً وبعد ذلك تنظيف البطن وتجويفها وحشوها ومن ثم خياطتها وتركيب العيون والريش وتثبيته على قاعدة خشبية ليصبح أقرب إلى الطبيعة. ولذلك أعتقد أن الأمر به شيء من الصعوبة لحواء. موقف طريف مر بك؟ خلال عملي في المتحف يأتي في العادة أطفال الرياض والمدارس لزيارة المتحف وكان البعض منهم يبدي دهشة من كون الحيوان لا يتحرك ولا يتفاعل معهم فكانوا يسألون في براءة لماذا لا يتحرك مما يؤكد أن التحنيط أقرب إلى الواقع.