العطش في أواسط سبتمبر وأوائل أكتوبر ظل المشكلة الرئيسية في مشروع الجزيرة والتي تتكرر عاماً بعد عام، فهي من مظاهر الفشل حتى في أكثر المواسم استعدادًا، فهذه المشكلة ظلّت بلا حل والشاهد على ذلك تكرارها في الميقات المشار إليه، فهذه الفترة يبلغ فيها المحصول طور الزهرة الشيء الذي يجعل احتياجه للمياه أكثر وريِّه في هذه الفترة ضمان إنتاجية أعلى، لكن أن يظل الحال على ما هو عليه فهذا يفسر قصور الاستعداد، فالمسؤولون لم يقيِّموا استعداداتهم تقييماً مقبولاً لأن الاستعدادات سلفاً مشروطة في أعماقها بالتدابير الحاسمة لمواجهة مثل نقص المياه، فلا يمكن أن تنجح زراعة بلا ماء، فيجب أن يكون الاستعداد قرين أهمية المياه فإن التوسع في المساحات المزروعة مثلاً يجيء على حساب الري، فمن المرجح فقدان بعض المساحات فما قيمة الاستعداد والتجهيز المبكر؟ فمن الحكمة ألا يزرع مزارع تكررت له الخسائر. غير أن هذا الموسم مختلف حيث ارتفعت كلفة النظافة وكذلك خصّ المزارع أرضه بزيادة الجرعة المعتادة من السماد طمعاً في زيادة الإنتاج ولذلك ثمنه الذي بلا شك يكون المزارع قد اقترضه، فالحصاد تعب وخسائر مباشرة ومفاجئة حيث كان الأمل والعشم أن يكون الإنتاج وفيرًا يغطي «المونة» و الاحتياجات الأخرى، فإلى متى يظل الحال على هذا المنوال، السودان كله ينتظر أن يساهم مشروع الجزيرة في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير العملات الصعبة من خلال صادرات القطن التي هي البديل الكفؤ للبترول بفضل أسعارالقطن الممتازة بالإضافة إلى إنتاج العلف «الأمباز» والزيوت من بذرة القطن، فكان ينبغي أن لا نفقد فداناً واحداً، فعلى ماذا نعتمد في جلب العملة الصعبة؟ عموماً ظللنا نسمع وبصفة دائمة عن العطش في هذه الفترة تحديدًا والذي يتلف مساحات كبيرة أو على الأقل يخرجها من دائرة الإنتاج، فلماذا تظل هذه المشكلة مستمرة ولها كبير الأثر في حالات العوز التي باتت كثيرة وسط المزارعين بل في موسم تسبب العطش في أضرار لمحصول القمح مع وجود التأمين لكن في نهاية المطاف تحمّل المزارعون النتائج بلا معين، فبإمكان إدارة مشروع الجزيرة الاعتماد على الزراعة الرأسية لأن المساحة ستكون بالتأكيد محصورة ويمكن ضمان ريّها وتجنيب المزارعين الضعفاء هذه الخسائر والاحتياطات المتلاحقة، فالحاجة تدعو الدولة للاهتمام مجددًا وعلى نحو جاد بقضايا الإنتاج في مشروع الجزيرة.