واستمعت الجمعية إلى آراء السيد « ياي» وهو متخصص في علم الأصوات المجوفة... الذي لخصها في أن صوت الفنان كجام يدخل في نطاق الأصوات اللاسعة التي تلسع تماماً مثل الكهرباء، وعليه فهناك خطورة واضحة يشكلها هذا الفنان على السادة المستمعين. وقد آثار السيد «كاف» نقطة مهمة وهي لماذا لم يعمل مندوب المكافحة في الشمالية في إيقاف هذا الفنان حتى ولو أدى ذلك إلى تعطيل القطار أو اللوري الذي أقله للعاصمة حتى لا تضطر الجمعية إلى عقد مثل هذا الاجتماع. وقد قرر السيد رئيس الجمعية استيضاح عضو الجمعية المقيم في الشمالية عن هذا الموضوع... وبعد دراسة مستفيضة قررت الجمعية أن تباشر عملها بالصورة التي تؤدي إلى عدم انتشار ذلك الفنان انتشاراً ضاراً، وعليه فالخطوة القادمة متروكة لرئيس جراحة الحبال الصوتية والأفراد المتخصصين من فريق المكافحة، حتى تحد من انتشار ذلك الفنان انتشاراً ضاراً. تماماً كما تفعل هيئة المصنفات الآن. علم فريق المكافحة أن الفنان كجام سيكجم الغناء الليلة، فتحركت حافلة الفريق في تمام الساعة التاسعة مساءً... واتجهت صوب مدينة أمدرمان... وقد كان الغرض هو عمل مسح ميداني للأماكن التي يغني فيها الفنان كجام... وهناك جهاز صغير ضبطه السيد «ياي» على تلك الموجة المتحشرجة من موجات صوت الفنان كجام، وعليه يمكن التقاطها بسهولة... واستمرت تلك الموجة تعطي ذبذبة عالية... حتى انحصر مداها في منزل بحي من أحياء مدينة أمدرمان. وفي ذلك المنزل كانت هناك قعدة وجاء صوت الفنان كجام واضحاً وهو يشرح فلسفته في الكجم الغنائي. ٭ يا أخوانا نحنا الغنا هناك عند أهلنا «كجيم» ساكت... يعني أنت تكجم بجاي... وأنا أكجم بجاي... والشيالين يكجموا بجاي.. لا من تطلع الغنوة... وأنا هسع الطمبور دا ساعة أدي ليك كجمة... عليك أمان الله يعيط عياطاً يسمع ألفي آخر الواطة... والحكاية دي كلها فن في فن. ٭ ويسأله أحد القاعدين ويبدو عليه أنه فهم قصة الكجم الغنائي هذا، ولكنه لم يفهم موضوع «أبو لجام» هذا... ٭ وطيب حكاية أبو لجام دي شنو؟... ويستعدل الفنان أبو لجام في «قعدته» تلك، وهو يقول: ٭ أها دا الكلام التمام... هسع أنا قاعد الزمن دا كله... ما في زول سألني من العبارة دي... ولا حتى ناس الجرايد النشروا صورتنا سألوني عن حكاية «أبو لجام» دي ولا كدا ولا كدا.. ويجيب زقال الشيال بسرعة: ٭ لا... أبداً... الزول بتاع الجريدة... سألك وقال ليك..آيه هي مشاريعك الفنية... وأنت قلت ليهو والله عندي حواشة زارع فيها بصل باقي البصل اليومين دي غالي... وهسع داير أقلعه. ويستمر الفنان كجام أبو لجام بعد هذه الجملة الاعتراضية من زقال الشيال في شرحه لحكاية «أبو لجام» هذه: - الحقيقة أنا أول ما أجي للغنا لازم اتلجم تب قبل ما أغني وإذا ما أعمل كده... عليك أمان الله... صوتي طوالي بطرشق المكرفونات... عاد الجماعة اختاروا لي الاسم الفني دا «أبو لجام» وسار علي. وطلب أحد «القاعدين» من الفنان أن يغني أغنيته الجديدة. بزازي بي غادي... وبطارد جداد الوادي وعلى مسافة عشرين ياردة كان صوت الفنان كجام والموجة المتحشرجة منه تظهر بوضوح في جهاز السيد «ياي» الذي ظل يراقب الموقف مع بقية أفراد فريق المكافحة. وأشار السيد «ياي» إلى المساعد الفني «بوبو» أن يدخل على الفنان كجام بالموجة «10- و- م» وهي موجة تحدث أثراً مربكاً على الفنانين الذين توجه لهم. واختلط الأمر على السامعين... فالبرغم من أن الفنان كجام كان يغني أغنيته الجديدة: بزازي بي غادي... وبطارد جداد الوادي إلا أن المستمعين كانوا يسمعونه يغني أغنية أخرى تقول: بزازي بي جاي ... وبطارد هواي أما الفنان كجام فقد كان يغني تلك الأغنية«بحذافيرها» وكما كتبها شاعرها المبدع «بنقز» ولا يعرف أن هناك تغييراً قد حدث في نص الأغنية. والكورس الذي يتكون من أربعة شيالين بدون عمة كان يردد مقطعاً جديداً لم يدخل ضمن إطار تلك «المزازاة» وذلك بعد أن وجهت إليه الموجة «4-1- و» المقلوبة التي جعلته يردد: بزازي طوالي.. كايس لي مارلي وسرت همهمة وسط القاعدين... وهم في حيرة من أمرهم.. واشتدت الهمهمة عندما وجهت الموجة فوق البنفجسية للفنان كجام الذى جعلته يغني: بزازي بجنبكم ... الله يحرق شملكم... ويا قاعدين فويلكم. ولم يحتمل القاعدون هذه المزازاة التي هي تارة بي غادي وتارة بجاي وتارة بجنبكم... وتارة طوالي... وصاح أحدهم: يا أخ.. إيه الحكاية... هو غنا ولا شتايم... ويبدو أن أحد القاعدين كان له رأي مخالف، إذ انه صاح: يا أخ زازي زي ما عايز تزازي واعترض آخر. يزازي أصلو على كيفو؟ ويرد عليه ذلك: ٭ مش عايز يزازي؟ على كيفه يزازي ونحن ما لنا؟ ويحتد النقاش: ٭ بالله شوف دا.. لو عايز يزازي ما يمشي يزازي بهناك يجي يزازي عندنا هنا؟ وهنا كانت الموجة «12-ك» قد وجهت وكان الفنان كجام أبو لجام والكورس يرددون: بزازي بي عندكم ... كيتا علي قلبكم. وارتفع الصراخ والكواريك... وبالله شوف دا... يجي في بيتنا ويشتمنا كمان... والله مش لو بقى أبو لجام لو بقى أبو صريمه... أنا ما أقعد... وفي هذه اللحظة تم توجيه الموجة الرافعة إلى الكراسي فاشتعلت وأدت وظيفتها فوق الرأسية خير أداء... وتعالت الأصوات... بي جاي.. وبي غادي... وطوالي... وبعندهم.. وبكل مكان. وتفرتقت القعدة خير فرتقة... وخرج الفنان كجام أبو لجام محمولاً على أعناق الشيالين.. «بدون عمة». وفي المخطوط الأثرى الذي حصلنا عليه... كانت مذكرة صغيرة تقول إن الفنان كجام أبو لجام قد ترك مجال الفن الغنائي ورجع إلى حواشته ومشاريعه الفنية الأخرى يزرعها وهو يقول لكل من يلاقيه إنه لا يعرف كيف حولت أغنيته: محبوبي يا ولهان إلى أغنية تقول: محبوبي يا سجمان وسببت له متاعب هو في غنى عنها... من كتاب «النهب الغنائي المصلح» الذي سيصدر بإذن الله خلال هذا الأسبوع.