عندما اتَّصل عضو الحزب الاتحادي في تمرُّد الجبهة الثورية بالعاصمة الأوغندية كمبالا التوم هجو برئيس حزب الوسط الإسلامي د. يوسف الكودة وطلب منه زيارتهم في كمبالا عبر القاهرة، لم يكن الكودة ممثلاً لأيٍّ من الأحزاب السودانيَّة المعارضة في الخرطوم بخلاف أنه تطور منذ انضمامه لقوى الإجماع الوطني برئاسة فاروق أبو عيسى، كما أن كل الأحزاب السودانيَّة المعارضة موجودة بشخصيات أخرى في تمرد الجبهة الثوريَّة سواء كان بالاتفاق مع رؤسائها أو «لا»، فالحزب الاتحادي ممثل في التوم هجو، والشعبي في العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحزب الأمة في مبارك الفاضل، وغيرهم، وسواء أنكرت تلك الأحزاب علاقتها بهم أو «لا» فإن أغلب المراقبين يعتقدون أن علاقتهم التبعية لم تنقطع سواء كانت بحكم التنظيم أو غيره، لذا فإن السؤال المطروح: من يمثل د. الكودة في الأحزاب المعارضة ليكون جزءًا منهم؟ هل وجب إحضاره ليكون فقيهاً للتمرد؟ بالتأكيد ليس ليعلِّمهم الإسلام لكن حتى يحلِّل فقه التمرد على السلطان!! ويُكسب الجبهة التي تحتمي بالرئيس الأوغندي يوري موسفيني بريقًا إسلامياً يتكامل مع الرايات الإسلامية التي رُفعت في ثورات دول الربيع العربي، ولعلها هي مهمَّته التي يريدها خاصة أن الكودة اعتاد أن يُخرج تلك الفتاوى تحقيقاً للمصالح الغربية الأممية المشبوهة بما يسمَّى فقه «11» سبتمبر. ابتداًء من إباحة تحالف متمردي الجبهة الثورية حيث قال الكودة عقب توقيعه على الاتفاق بأنه يدعو الكل للالتحاق بهم و«يتشرف بأن يكون على يسار المتمرد مالك عقار» وإنه لتحقيق مفهوم المواطنة فإنه لا يمانع أن يشمل ذلك حتى «اليهود» فالكل له الحق في السودان إذا كانوا مواطنين»، بالتالي فإن إباحة الكودة تحالف متمردي الجبهة الثورية في كمبالا يجعله لا فرق بينه وبين «البارونة كوكس أو برنادر غاست أو حتى روجر ونتر» بخلاف أنه مسلم ويحمل الجنسيَّة السودانيَّة، ويعنى أيضًًا إيمانه بالتعاون مع دولة جنوب السودان كما يفعل متمردو الجبهة الثورية حالياً. إذا كان الكودة يريد تحليل وإباحة التمرُّد على الدولة فإن القاعدة الشرعيَّة قالت «إنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه بل يجب درء الشر بما يُزيله ويخفِّفه» ولم تأمر الكودة بالحج إلى كمبالا وتحقيق مخطَّطات دولة جنوب السودان وأوغندا بالتعاون مع إسرائيل تجاه السودان، خاصة أنه يعلم كم مكث متمردو الجبهة الثوريَّة في إسرائيل حتى يصل إليهم الدعم وكم ظلوا يدعون دول جوار السودان لدعمهم بالسلاح ليقاتلوا قوات الوطن. المثير في ظاهرة الفقيه الكودة أنه رد على ما تناقلته الصحف والأجهزة الإعلامية المحلية بأنه لم يكن دقيقاً وأنه وقَّع على بيان مشترك، فكيف بالكودة الذي لم يحاور جميع من في العالم بضرورة وقف استهدافهم لبلاده ولم يطلب منهم ولا مرة واحدة الكفّ عن ذلك، بأن يحصل على تأشيرة إلى دخول كمبالا وهي ألدّ عواصم العالم عداء للسودان، كما أن الكودة يعلم تمامًا دور رئيس أوغندا يوري موسفيني في تأجيج العدوان على السودان في التسعينيات، ودوره في حرب دارفور، ودوره في دعم العدوان على السودان بمختلف أنواعه السياسيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة، وأخيرًا دعمه للعدوان على مدينة هجليج، وحتى دوره في إفشال محادثات أديس أبابا وتقريب متمردي الجبهة الثورية من إسرائيل، بخلاف دعمه للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة ضد السودان، ودعمه لقصف مصنع اليرموك بواسطة إسرائيل، فهل كل هذا التاريخ غير دقيق لدى الكودة أم أنه مباح ومشروع، الحقيقة الدقيقة أن الكودة اجتمع بمتمردي الجبهة الثورية الذين يقاتلون الدولة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور ويسعَون لتدمير البلاد. إنَّ ظاهرة فقه الكودة الذي أباح التمرُّد ضد الدولة ليست جديدة، فلقد أباح الكودة ما حرَّمه بابا الفاتيكان وحاخامات اليهود فهذه الظاهرة مستمرة منذ أن خرج للعلن وأباح استخدام الواقي الذكري، رغم علمه أن الواقي الذكري لا يقي من الإيدز وأنه دعوة للفاحشة كما اعتبره الفاتيكان واليهود، وذهب الكودة أبعد منهم بأن حلل استخدامه في السودان وهو يعلم أن المنظمات والشركات الغربية التي تروج له في السودان هدفها العمل بصورة تجارية يتقاضون من ورائها أموالاً بالدولار، فهل حلل لهم ذلك بقصد أم دون قصد لا ندري؟. ما يهمنا أن الكودة ذهب لكمبالا للاجتماع مع المتمردين الذين يحاربون الدولة ويُجاز في حقهم حد الحرابة، ولم يذهب للأزهر الشريف في مصر أو إلى السعودية لكي يتناقش حلول أزمة السودان بحسب وضعه الديني، بل ذهب إلى كمبالا ليصبح خطيبًا سياسيًا دينيًا يسعى ليكون فقيهًا للمعارضة السياسيَّة، وبهذا يكون الكودة أرسى قاعدة جديدة بأن تكون لكل حركة تمرد فقيه وشيخ يحلِّل لها ويفسِّر لها الشريعة ومصالحها الدنيويَّة الزائلة.