في تركته المتواضعة، ترك المرحوم الحاج محمد أحمد حمارًا عجوزاً، لم يجد أولاده العشرة ما يُغري ببيعه واقتسام ثمنه، فقرّروا تركه لتدريب الأولاد على ركوب الحمير تمهيدًا لتدريبهم لاحقاً على ركوب الخيل. ولكن، لسوء الحظ، عثر الحمار ذات يوم بينما كان يطارد «جحشة» لعوباً، فكسر إحدى قائمتيه الأماميتين... فانطرح أرضاً. على تلك الحال رآه الابن الأكبر للحاج محمد أحمد، ففكر في ضرورة إسعافه ولكنه تذكّر أن مهمة إسعاف الحمار مهمة «حساسة» بعض الشيء!! ماذا، مثلاً، لو أجهد نفسه وجاء بالبصير فجبر ساق الحمار، ثم اتضح لاحقاً أن هناك خطأ في الجبيرة؟ أليس وارداً أن يُحَمِّلَه ُالورثة مسؤولية هذا الخطأ؟! ألن يقول له أحدهم، مثلاً: ما شاورتنا ليه؟ هو ده حمارك براك؟ عند هذا الحد من التأمل قرر الابن الأكبر أن يذهب، قبل أي إجراء، ويُخبر إخوانه وبقية العائلة، بالحدث، ثم يتشاورون في ما يتعين فعله. وبعد جهود مضنية، نجح الابن الأكبر للمرحوم الحاج محمد أحمد، في الوصول إلى منازل جميع إخوته العشرة وترك لهم رسائل عاجلة بضرورة الاجتماع في منزله مساء هذا اليوم لمناقشة أمر في غاية الخطورة يخص العائلة. ومن فوره ذهب الابن الأكبر إلى منزله، ودعا أولاده وزوجته وزوجات أولاده وأزواج بناته للقيام بالإعداد الفوري لمؤتمر القمة العائلية مساء اليوم بكل ما يتطلبه الأمر من مراسم ومستلزمات الضيافة ثم العشاء. في المساء وبعد مراسم الاستقبال، قرر الرجل الدخول في الموضوع مباشرة، برغم غياب ثلاثة من إخوانه لأسباب غير معروفة. بعد أن حيّا الحضور وشكرهم على تمتعهم بروح المسؤولية العائلية، وبعد أن وجّه بعض اللوم إلى الغائبين، شرع رئيس المؤتمر في شرح ملابسات القمة، مؤكداً أن المسؤولية عن حمار العائلة مسؤولية جماعية وقومية، وأنه إيثاراً للديمقراطية قرر إشراك الجميع في الأمر، وكان بإمكانه أن يتصرّف بطريقة فردية... ثم تمنى أن يثمر النقاش حلاً يُرضِي جميع الأطراف. تحدث بعده أحد إخوانه، مؤمِّناً على حديث الرئيس، ومقترحاً الشروع كسباً للوقت في تقديم المقترحات ومناقشتها خصوصاً وأن الحمار ما يزال منطرحاً في مكانه منذ الصباح. اقترح أحد إخوانه استقدام «البصيرة أم حمد» لجبر ساق الحمار. اعترض أخ آخر، مؤكدًا أن البصيرة أم حمد «دجالة» و «إمبريالية» وذكَّرهم بما فعلته بعجل الرافدين، الذي قطعت رأسه ثم كسرت «الزير»!! واقترح، بدلاً عن البصيرة المعنية أن يستقدموا بصيراً من الحي المجاور. ولكن أخاً ثالثا ً انتقد هذا الاقتراح بشدة رافضاً فكرة «الارتهان للأجنبي» ومؤكداً أنهم يستطيعون بأنفسهم جبر ساق الحمار. إحدى الأخوات أكدت ضرورة أن يعطى «العيش لخبازه»... وسكتت. أخت ثانية اقترحت حلاً جذرياً للمسألة ببيع الحمار بحاله الراهنة، وعلى من يقع عليه المزاد إجراء ما يلزم تجاه ساق الحمار. أخ سادس رأى أن الرأي الأسلم هو عرض الحمار على طبيب بيطري. الأخ السابع رأى أن عملية نقل الحمار إلى المستشفى البيطري عملية محفوفة بالمخاطر وفضل أن يُدعي الطبيب البيطري لمعاينة الحمار في مكانه وإجراء اللازم. ** الأخ الأكبر ورئيس المؤتمر اقترح التصويت على المقترحات والأخذ بخيار الأغلبية.. ولكن النتيجة كانت تصويت كل من السبعة لرأيه فاقترح رفع الجلسة إلى يوم الغد، حتى يحضر الثلاثة الغائبون. بعد شهر وفّق الله عائلة الحاج محمد أحمد في حل المشكلة، حيث اتفق الجميع وبرضاء تام وإجماع قومي نادر على «دفن» الحمار الذي مات منذ أسبوعين في مقبرة تليق بالعائلة!! ********* قال فكي أبكر «رض»: أخبرني أحدهم أن سائقاً في مؤسسة حكومية رفيعة «اختلس» من سيارته وقودًا بخمسين جنيهاً، وحين واجهوه بالتهمة اعترف وأبدى رغبته في تسديد المبلغ. أها .. رفضت الإدارة وشكلت له لجنة تحقيق من ثلاثة أشخاص، كل منهم تقاضي خمسمائة جنيه مكافأة «لجنة». وبعدين !! ثم لجنة محاسبة بمخصصات خمسمائة جنيه لكل من أعضائها الثلاثة!! وبعد داك !! قررت لجنة المحاسبة خصم خمسين جنيهاً من مرتب السائق!! وده علاقتو شنو بمؤتمر القمة وحمار محمد أحمد وحكومة السودان!! * قال فكي أبكر ضاحكاً: علاقتو شنو؟ ديل تيمان!!