أوردت «الإنتباهة» خبراً مهماً، في ذيل خبر غير مهم، مما وشى بخلل في التصور السياسي، والإعلامي، لدى من صاغ الخبر. وقد مُنح الخبر عنواناً رئيساً، غير معبر عنه بالكلية، وأُسبغت الأهمية الكلية، على الخبر الثانوي، غير المهم بالكلية. وإذا كانت «الانتباهة» قد اعتادت على أن تنتقد كل صغير وكبير، فعليها، إذن، أن تتحمل مني هذا النقد، وهو يسير جد يسير. فقد أعطى خبرها الثانوي، غير المهم، أهمية مشكوك فيها، لتحركات شخص، ثانوي، غير مهم، هو صاحب البداية التعيسة، والنهاية البئيسة، المدعو فاروق أبو عيسى. فقال إن هذا الشيخ، الفاني، الذاهل، الذي يخطرف في آخر عمره السياسي، قد خاطب الفريق الفار، مالك عقار، وأخطره بأنه مازال يجمع القوى الواهية، الذابلة، في سوق الخضار السياسي في الخرطوم، ليطعم بها الحشرات الشعبية، التي أضناها الجهد العابث، في نهش جوانب الوطن الكريم. وقال الخبر إن أبو عيسى زاد فمنَّى الفريق الفار، مالك عقار، ووعده بالنصرة باغترار، تماماً كما تعد شياطين الإنس والجن، أولياءها الفجار، وتمنِّيهم بانتصار، بعد انتصار، وأكد له أنه قد: «كُونت لجنة لدارسة الوثيقة... ومن ثَّم ومن بعد الاتفاق سنوافيكم برأينا، بخصوص لجنة التنسيق. ونرجو شاكرين أن تصبروا علينا، لاعتبارات تعلمونها». وهذا هو فحوى ما جاء به خبر «الانتباهة» في هذا الشأن، وهو شأن عادي، من أبسط الشأن. وإلا فهل يرجى من صاحب البداية التعيسة، والنهاية البئيسة، فاروق أبو عيسى، غير هذا من شَيْن أو شأن؟!. وبعد ذلك جاء ذيل الخبر، بما هو أهم من الخبر، تماماً كما يبدو ذيل الطاؤوس، وكأنه أهم من الطاؤوس! جاء في الذيل أو التكملة، أن الشيخين الفانيين، المتطاولين في العمران، حسن الترابي، والصادق المهدي، قد التقيا سراً مع المدعو كامل إدريس، بمبادرة مريبة من هذا الشخص المريب، وذلك بغرض توحيد صفي الأمة والشعبي معاً من أجل «قيادة أحزاب تحالف قوى الإجماع باعتبارهما روح التحالف حالياً». فهذا هو الخبر إذن، وهذا اللب، كما يبدو لمن له لب. وقد كان الأولى أن يأتي هذا المقطع في المطلع، أو يأتي منفرداً، وألا يُلغىَ عليه بلغو أمير اللغو السياسي اللاغط: فاروق أبو عيسى! بل كان يجدر أن يأتي خبراً على رأس الصحيفة لذاك اليوم. وقد جاء فيه أن الطرفين الطريدين من معادلة الحكم: الأمة والشعبي، قد اتفقا مع الطرف الخاسر في سباق الرئاسة، المدعو كامل إدريس: «على ضرورة مناقشة التحالف الثنائي بينهما، وأن يكون ذلك على مستوى لجنة حزبية من المكتبين السياسيين للحزبين، تتكون من جانب الشعبي من: كمال عمر والأمين عبد الرازق ونجوى عبد اللطيف». وبينما سارع الترابي إلى تسمية بعض صقور حزبه لتولي أمر التنسيق، وجَمَ الصادق وحَرَن وتمهل، حتى يرى من الأكمة ما وراءها! وحسبما كشف الخبر، فقد كشف صاحب الكشف السياسي الثاقب، حسن الترابي، ما وراء الأكمة الداكنة، وما وراء الستار من أسرار، وأشار «إلى أن كامل إدريس مدفوع من أمريكا وبريطانيا ولديه علاقات مع أجهزة مخابراتهما، مضيفاً أن إدريس يريد أن يكون رئيساً للسودان للفترة الانتقالية القادمة باعتباره شخصية قومية، لذلك أراد أن يضمن تأييد الشعبي والأمة له». ويبدو أن رؤية حسن الترابي، هي الرؤية الصحيحة، بل الأصح، لما كمن في طوايا وخفايا قوى الكيد الدولي. فالقوى الغربية المتآمرة على بلادنا، لا تريد إلا شخصاً كهذا، من أراجوزات المنظمات الدولية، ليرأس السودان. تماماً تريد أراجوزاً آخر، من أراجوزات هذه المنظمات، هو البرادعي، ليرأس قطراً في شمال السودان!!. وحسبما أفاد الخبر، فقد صدَّق كامل إدريس رؤية الترابي: «وأشار إلى التقائه البريطانيين، والأمريكان، الذين أكدوا له ضرورة ذهاب النظام القائم في الخرطوم». وقد صدقنا أيضاً رؤية حسن الترابي، وهو شخص أكثر من لماح في المجالين الفكري والسياسي «يعرفها طايرة.. كما يقولون !» ولكن ما استعجبنا له أن يستجيب هذا الشخص اللماح لخداع ومكائد من وصمه، قبل قليل، بالعمالة للإنجليز والأمريكان!! وهذا هو ما نرجو أن نجد إجابة عنه، من دوائر هذا الشيخ الفاني المتفاني في اللهث، في آخر عمره، وراء سراب الأمنيات الخادعات.