يلتبس على كثيرين أمر الحركة الإسلامية هل هي فصيل من فصائل الإخوان المسلمين اقتضت الظروف الأمنية والسياسية في السودان تكوينها بوصفها تكتيكاً مرحلياً؟ أم هل هي حركة مستقلة فكرياً وحركياً عن جماعة الإخوان المسلمين لا صلة لها بتنظيم الإخوان؟ ويحاول البعض تمكين هذا الالتباس بزعمهم أنه لا فرق بين الحركتين إلا في المسمى حرصاً على استقطاب عضوية كبيرة من عامة الناس ومن الشباب على وجه الخصوص، فقد ظلت الحركة الإسلامية تستخدم رسائل الإخوان المسلمين الفكرية وأدبياتهم في نشاطها الدعوي، ثم تمارس في الواقع الحركي ثقافياً وسياسياً منهجاً مغايراً لمنهج الإخوان المسلمين، الأمر الذي أوجد ازدواجية داخل تنظيم الحركة الإسلامية انتهى إلى تجاوزها وحل تنظيمها في مراحل أخرى، والحقيقة أن بعض قيادات الحركة الإسلامية وكوادرها وهي صادقة فيما تذهب إليه، تعتبر أن هذه الحركة ما هي إلا توسيع لقاعدة الجماعة في المجتمع السوداني لتمكينها من استيعاب عناصر كثيرة بشروط أقل وفق ما يقتضيه العمل السياسي لتمكين الهوية الإسلامية والسعي إلى إقامة دولة إسلامية في السودان، وقد نجحت في عملية الاستيعاب تلك، حيث أن كثيراً من هذه الكوادر اجتذبها النشاط الجبهوي من خلال حركة جبهة الدستور الإسلامية، ثم حركة الاتجاه الإسلامي، ثم حركة الجبهة الإسلامية القومية، إضافة إلى أن معركة الدستور الإسلامي في الستينيات جعلت الحركة تجتذب عناصر حزبية وطائفية في أحزاب الأمة والاتحادي وطائفة الأنصار والختمية، إضافة لمعظم الطرق الصوفية، مما مكن من إجازة مشروع الدستور في قراءتين بما يشبه الإجماع بالرغم من أن عضوية الإخوان المسلمين داخل البرلمان لم تزد على أربعة أشخاص، فمسمى الحركة الإسلامية وتكوينها بذلك يحافظ على هذه المجموعات الحركية المكتسبة، بينما يعيق التمسك باسم الإخوان المسلمين ذلك، لأنها في نظرهم مرت بمرحلة حساسة نفرت كثيراً من الناس عنها بما وقع عليها من تشويه شديد عالمياً وإقليمياً. غير أنه في المقابل فإن بعض القيادات والكوادر تنظر إلى فكرة الحركة الإسلامية نظرة أخرى ترتكز على أنها حركة لا صلة لها بجماعة الإخوان المسلمين، حيث يعتبرون أن الصلة التي نشأت يوماً بين الحركتين كانت صلة عابرة أملتها بعض الظروف، ويؤكد هؤلاء بنظرتهم تلك أنهم بقايا من حركة التحرير آنفة الذكر والمتأثرين بها الذين كان يمثل وجودهم داخل الجماعة في الحقيقة اختراقاً لها بدافع القضاء عليها وتحويلها عن منهجها الفكري وخطها الحركي، وعلى رأس هؤلاء عراب الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي الذي استطاع بقدراته الحركية ومواقعه القيادية أن ينجح في القضاء على جماعة الإخوان وتجاوزها، الأمر الذي أصبح يدركه اليوم حتى الذين انبهروا به يوماً من الأيام، ويحملونه وزر حل الحركة الإسلامية نفسها عندما صارت عقبة أمام طموحاته السياسية وأطروحاته الفكرية. وخلاصة القول أن الحركة الإسلامية وفقاً لمفهوم المجموعة الأولى لها، هي فصيل وحراك تكتيكي وثيق الصلة بحركة الإخوان المسلمين، بينما هي وفقاً لنظرة الفريق الثاني تمثل حركة مغايرة تماماً لحركة الإخوان المسلمين، بل مناهضة لها، الأمر الذي دفع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين حين تأكد له ذلك إلى رفضها واعتبارها حركة ضرار، ومن ثم اتجه إلى دعم الجماعة المنظمة حركياً باسم الإخوان المسلمين بقيادة الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد والدكتور الحبر يوسف نور الدائم والأستاذ المرحوم عيسى مكي والأستاذ علي جاويش وغيرهم، ومنحها عضوية التنظيم العالمي للإخوان، تأكيداً للتباين التام بين الحركتين. وعليه فإنه لا يصح مطلقاً بعد تكشف الحقائق وظهورها الجلي، الخلط بين الحركتين حتى لا تحمل إحداهما مواقف وتصرفات الأخرى، وثمة حراك اليوم بين يدي السعي لإصلاح الحركة الإسلامية وترتيب أوضاعها عبر المؤتمر الذي دعي إليه في نوفمبر القادم، خاصة بعد تجربة الإنقاذ وتكوين المؤتمر الوطني وما اعتراه من خلافات وانشقاقات، حيث يرتكز هذا الإصلاح على العودة إلى منهاج الإخوان المسلمين الفكري والحركي، وهذا في حد ذاته إدانة صريحة لمن سعى إلى الفصل بين الحركة الإسلامية وحركة الإخوان المسلمين. والحقيقة أن مسمى الحركة الإسلامية عند من يريدونها تنظيماً خاصاً هو احتكار لمعنى كبير وواسع يشمل تيارات شتى يتحرك كل واحد منها برؤيته الخاصة لتحقيق الأهداف الإسلامية، فالحركة الإسلامية يجب أن تكون أوسع من أي تيار لأنها هي في الحقيقة التي أوجدت كل الجماعات والتيارات الإسلامية، فلا يجوز قصرها على تنظيم حركي واحد، ولله در الأساتذة الأجلاء دكتور قيصر موسى الزين ودكتور إبراهيم محمد زين اللذين قاما بتوضيح هذا المفهوم للحركة الإسلامية في حينه إبان الحوارات التي كانت تدور داخل الإخوان في الموضوع وفي إطار سعيهما الإصلاحي ومواجهة خطط المخترقين، وقد عايشت معهما هذه التجربة في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وهو بلا شك وعي مبكر وسعي جاء في أوانه، غير أن الكثيرين ممن يتباكون اليوم، كانوا لا يريدون سماعاً لنصيحة أو مساندةً لإصلاح.. غفر الله لهم جميعاً.