من أكثر القضايا التي تشغل حيزاً كبيراً في أوساط المغتربين، ذلك الهم الذي يرتبط عند عودتهم وبحثهم عن مستقر دائم تتوفر فيه كل مقومات العيش الكريم لأسرهم بعد معاناة طويلة مع شظف العيش في الغربة، فيصطدمون بواقع أن جلَّ ما ادخروه في شراء أرض مستقبلية تتطلب منهم قطع الفيافي للوصول إليها، ناهيك عن كيفية بنائها في ظل الظروف الراهنة التي أصابت الاقتصاد الوطني بالعديد من التصدعات الناجمة عن اتخاذ القرارات والسياسات الاقتصادية الخاطئة، وبدلاً من أن يبحث هذا المغترب عن كيفية بناء هذه الأرض نجده يفكر في الوسيلة التي ستقله إليها وكم ستكلفه!! وإن نظرنا للأمر بعدة زوايا أهمها الاقتصادية، سنجد أن المعاناة التي كان يواجهها المغتربون ستتضاعف بوتيرة سريعة، والسودان يشهد أزمة طاحنة في المواصلات وارتفاع أسعار المحروقات بعيداً عن الأساسيات الأخرى من أكل وشرب وخدمات مرفقية. ومن الجانب الاجتماعي فإن كل المؤشرات تدل على أن الاغتراب بالخارج وما تلاه من تبعات مختلفة مست الكيان الإنساني والمجتمعي بالانزواء بعيداً عن الناس، حيث أنه سيصبح واقعاً آخر يواجه أبناء هؤلاء المغتربين، فيصبح اغتراباً داخلياً تنعكس فيه كل السلبيات التي نشأت بالخارج ولم تجد اليد المثلى للتوجيه وترسيخ المعاني الأصيلة. شكوى المغتربين التي يرفعونها دوماً بالاهتمام باستثماراتهم وممتلكاتهم لا تصبح شيئاً أمام الاهتمام بوجودهم المجتمعي داخل السودان من خلال المجمعات السكنية التي تتناسب واحتياجاتهم، خاصة أنهم بذلوا الغالي والنفيس في سبيل رفع شأن الاقتصاد الوطني وتثبيته، فلماذا تسعى الجهات التي من شأنها تقديرهم ورفع ألوية الاهتمام بشريحتهم لتضعهم في مكان لم تره عين ولم تسمع به أذن. أين جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج من هذه القضية الشائكة؟ ولماذا يرتضي لهم أن يبتعدوا عن أهلهم وذويهم مرة أخرى؟ بل أين جهاز الاستثمار الذي طالما دعا وأعلن عن سياسات استثمارية جديدة تفيد المغتربين والبلد؟ ولذا يجب أن تضع الدولة والجهات التنفيذية ذات الصلة المباشرة بقضايا المغتربين نصب أعينها أبناء السودان بالخارج، وتوفر لهم أدنى أسباب الراحة والاستقرار الدائمين لضمان مستقبل ناجح لهم ولأبنائهم، عطفاً على ما ستكسبه منهم عبر الاستثمارات التي إن وجدت الدراسات الجيدة والعلمية ستصبح واقعاً ملموساً يخرج البلاد من المأزق الذي هي فيه، بما لهم من خبرات واسعة ومتمكنة في كل المجالات، والسودان في أمس الحاجة لذلك الآن.