ومضت وثيقة الفجر الإسلامي في توصيف الواقع المأساوي الذي تشهده بلادنا والأخطاء التي ارتكبتها الإنقاذ والتي انتجت الأزمة الحالية فقالت: أ. لقد قطعت الحركة الإسلامية بانقلابها العسكري الطريق على مشروع السودان الجديد واتفاقية أديس أبابا (1988) التي كانت تنص على حل القوات المسلحة وإعادة تشكيلها وإبعاد السودان عن محيطه العربي وإبعاد الدين عن الدولة وقوانينها إلا أن الإنقاذ ما رفضته جملة قبلته بالقطاعي وإن كان يُشكر لها تأخير المشروع للتنزل الكامل ما يزيد عن عشر سنوات إلا أن المراقب والمطلع يرى تنزل المشروع على مراحل وعن طريق التجزئة مما يشير الى نتيجة خطيرة أن مضت الأمور على هذا النحو فإن مشروع السودان الجديد بركنيه العنصري والعلماني سيرى طريقه إلى التحقق. ب. إن (24) عامًا من الحكم أمضتها الإنقاذ في اللهث وراء إرضاء الغرب خوفًا على كرسي الحكم من الزوال وسعيًا لاستخراج شهادة حسن سير وسلوك بقبول اتفاقيات وحلول لم تزد الدولة إلا ضنكًا مع ترضيات لعملاء الغرب وسعيًا حثيثًا للتحالف مع العلمانيين في ظل شراكات وهمية مع جماعات العمل الإسلامي يمنحون فيها الفتات من السلطة بغرض التذويب لا الشراكة الذكية الصادقة المُفضية للعمل المشترك الواعي والحقيقي فلم تكسب الإنقاذ البعيد (العلمانيين) وخسرت القريب (الإسلاميين) وانفضَّ عنها بعض المخلصين من بنيها وأنتجت سياساتها واقعًا منافقًا لا هو للإسلام بصدق انتسب ولا هو من الغرب اقترب كانت هذه بعض ملامحه: 1/ قيام الحقوق والواجبات:- على أساس المواطنة هي العلمانية بعينها في ثوب مخادع قليل من يتفطَّن له ويُدرك خطورته على هُوية الدولة؛ ذلك أن التنوُّع المزعوم المراد به تفكيك مركزية الحضارة الإسلامية في الدولة فصراع المركز والهامش الذي دشنته اتفاقية نيفاشا وشرعنت له في دستور «2005» في خطوة عجولة لإيجاد حل لأزمة متطاولة وتحت سيف الضغوط الخارجية هو في حقيقته صراع بين الحضارة المركزية والحضارات الهامشية في السودان التي استطاع الإسلام أن يكون بديلاً لها بالدعوة والحوار إذ لم يدخل الإسلام إلى السودان بالقوة ابتداء، وقضية المواطنة في إطار السودانوية كهُويَّة جديدة مستحدثة وكأساس لعقد اجتماعي هي خطوة أولى في طريق إقامة مشروع السودان الجديد وتغييب الدين عن أوجه الحياة والإنقاذ يعترف قائد سفينتها أن البلاد تحكم بدستور مدغمس!! 2/ سلكت الإنقاذ أخطر مسلك سياسي:- في قسمة الثروة والسلطة يقوم على المحاصصة الجهوية والقبلية مما جعل الجميع يعمل على استحضار المكون القبلي الأولي في التعاطي السياسي بعد أن أفلحت العهود الماضية منذ تحالف عمارة دنقس وعبد الله جمّاع في السلطنة الزرقاء في تغييب هذا البُعد العنصري وتشكيل عقل جمعي مختلف لم تكن القبلية والجهوية فيه حاضرة على نحو ما قررته نيفاشا وأعادت نبشه وإخراج رفاته ونفخ الروح فيه، هذا المسلك من أخطر آثاره تفكيك الكتلة الإسلامية وتمزيقها قبلياً، فلم يكن لانفصال الجنوب المباين عقائديًا في أغلبه أي أثر في اتجاه وحدة اللحمة الإسلامية ووحدة موقفها تجاه القضايا الكلية لا سيما تلك المتمثلة في إسلامية الدستور وشكل نظام الحكم ذلك أن الكتلة الإسلامية عملت فيها أيادي المتربصين في السودان فقسمتها اثنياً وقبلياً ومذهبياً وحركياً. 3/ تفكيك المنظومة الأمنية والعقيدة العسكرية: باتفاقيات الترتيبات الأمنية التي اعتمدت قوات ذات طبيعة جهوية وقبلية وإدماجها في قوات الشعب المسلحة على هذا النحو وبتلك القسمة أو القبول بها في إطار القوات المشتركة ذلكم الواقع الذي أفرزته الاتفاقيات المتعدِّدة جعلت للسودان جيوشاً لا جيشًا وجعلت للسلاح عقائد عسكرية لا عقيدة واحدة وجعلت مسؤولية الأمن الداخلي والخارجي تتوزعه قوات مشتركة بعضها يتبع للدولة وبعضها يتبع لحزب أو حركة أو قبيلة، هذا الواقع المأساوي والأمني الخطير من أعظم تقاطيع وجه أزمتنا السياسية خطورة وقد جنت الحكومة ثماره الحنظل وأشواكه من التصرفات الحمقاء والعنصرية لبعض منسوبي قواتها النظامية على أساس قبلي فكثرت حوادث الإغارة والحرق والتدمير للعديد من القرى من قبل قوات ترتدي الزي الرسمي الذي من المفترض أن يكون مرتدوه نجدة للضعيف وحماية للعرض والمال والأنفس فسقطت بذلك هيبة الدولة وفقد الناس في تلك المناطق الثقة في مؤسساتها الرسمية وذهبت كل قبيلة تبحث عن تسليحها الذاتي وسواعد بنيها لحماية ممتلكاتها في دولة المشروع الحضاري وفي دولة تصرف على الأمن والقوات النظامية ما يقارب (80%) من الميزانية!! فلم يجد الشعب أمنًا في بعض المناطق ولا وجد مالاً للصحة والتعليم!! 4/ اعتماد تقرير المصير للجنوب: رغم حالته الخاصة وظروفه الموضوعية القائمة على الحفاظ على رأس المال بدلاً من الربح اعترافاً بحالة الوهن والضعف الذي أصاب البلاد والضغوط العنيفة التي مورست إلا أن فيروس تقرير المصير أصاب أجزاء أخرى من جسد الأمة بعد قبول الإنقاذ في نيفاشا بإدماج مناطق شمالية (النيل الازرق وجبال النوبة وأبيي) في تفاوضها مع حركة جنوبية، وجعلت ذلك الاتفاق جزءًا من دستور البلاد، هذه الخطيئة السياسية ولم تكن خطأ فحسب جعلت المدركين لطبيعة الخطة B (التفكيك ثم إعادة الدمج في إطار مشروع السودان الجديد) يطالبون بتطوير المشورة الشعبية إلى تقرير مصير، والإنقاذ قد عودتنا أن مرفوضات اليوم ومحرَّماته تصبح غدًا مباحات وتشريعات يحرسها الفقه التبريري وإنا لنربأ بالمخلصين من أبناء الحركة الإسلامية والغيارى من قادتها أن يقبلوا كتابة التاريخ عنهم أن الحركة الإسلامية استلمت السودان دولة واحدة فأحالتها إلى خمس دول!! وأن ذلك كائن ما لم نقف وقفة قوية واضحة تعبيرًا عن يقظة الضمير الذي باعه البعض في دهاليز السياسة والحكم، ونبتغي فيها نجاة النفس من عذاب الله يوم الوقوف بين يديه فإنه جُرم لن يغتفر ستدرسه الأجيال في كتب التاريخ والجغرافيا!!