حوار: المثنى عبد القادر الفحل تصوير: محمد الفاتح يعد سفير المملكة المتحدة د. بيتر تيبر أحد السفراء الذين يحاولون الدخول للمجتمع للسوداني رغم أنه يتعلم اللغة العربية حالياً إلا أن الأريحية التي التقانا بها جعلته مختلفًا عن السابقين لمنصبه، وأجرت معه «الإنتباهة» حوارًا فوق العادة حول العديد من القضايا التي تهم السودان والمملكة المتحدة كان أبرزها قضايا دولة جنوب السودان والديون إضافة للتعاون بين البلدين، ويعتبر د. بيتر من الحاصلين على الدكتوراه في التاريخ من جامعة أكسفورد وانضم للسلك الدبلوماسي منذ العام «1984م» وعمل في بلدان مختلفة والسودان المحطة السابعة له بعد أن عمل في كينيا، كما تناول الحوار المثير والشائق قضايا أخرى متعلقة بالتعليم إضافة إلى قضايا السودانيين في المملكة المتحدة المعتقلين منهم في قضايا جنائية، فإلى مضابط الحوار:- كيف يمكن إدخال آلية لضمان التطوير المستمر في منظومة العلاقات السودانية البريطانية؟ لا أعتقد أن هناك آلية لأن العلاقات بين المملكة المتحدة والسودان ليست كالماكينة، وعلى البلدين العمل معاً لأجل تطويرها عبر الطرق الدبلوماسية والتواصل والحوار والتوضيح وكذلك عن طريق الصلات الشعبية والزيارات والتبادل الثقافي وتعلم اللغة العربية والإنجليزية إضافة للتاريخ المشترك والبناء على الإرث المشترك وإقامة تبادل تجاري بينهما، هذه هي الوسائل التى يمكن عبرها بناء العلاقات. لكنها تحتاج لامكانات سياسية واقتصادية؟ أعتقد أنها تحتاج للتعاطي السياسي وكذلك لمسار سياسي. في المملكة المتحدة لدينا ارتباط تاريخي مع السودان. لقد استثمرت حكومتنا بصورة ضخمة في اتفاق السلام الشامل وفي استفتاء جنوب السودان ويريدون الاستمرار في تلك العملية وحل القضايا العالقة. لقد ظللنا نتعاطى بشكل وثيق مع ما حدث في دارفور ونحن قلقون تجاه ذلك ونريد أن نساعد في إنهاء النزاع هناك وبناء الأمن، والمملكة المتحدة لديها استثمار ضخم في هذا الشأن. هناك أيضاً تعاملات اقتصادية لكنها ليست بالمستوى الذي يجب أن تكون عليه لأن هناك بعض العوامل التي تحول دون ذلك ولكن بالطبع هذا جزء مهم من العلاقة بين البلدين. ماذا فعلت المملكة المتحدة لتعزيز تلك الصلات وتقويتها؟ في الجانب السياسي وبسبب العلاقات التاريخية مع السودان وبحكم أننا أعضاء في مجلس الامن الدولي فقد كنّا منهمكين جداً في مساعدة السودان في قضيتهم مع جنوب السودان، ومثال لذلك العمل الذي ظل يقوده الاتحاد الإفريقي والذي قمنا بدعمه بالمساعدات المالية والخبرة الفنية والمعلومات التاريخية بجانب الموارد البشرية. كل ذلك لدعم السودان وجنوب السودان لحل قضاياهم. في الجانب الاقتصادي قمنا بقيادة العمل فى الجوانب الفنية المتعلقة بإعفاء ديون السودان حتى أصبحت هناك رؤية مشتركة حول ماهية هذه الديون. كذلك نحن شريك اقتصادي مهم للسودان والإتحاد الأوروبي هوالشريك التجاري الثالث للسودان ونحن نساهم بحوالى «20%» في ذلك وبالتالي نحن نلعب دوراً أساسياً في هذا الجانب أيضاً. المراقبوان السودانيون يعتقدون ان انضمام المملكة المتحدة للاتحاد الاوربي يمكن ان يعرقل ملف علاقتها مع السودان لأسباب عديدة؟ نحن جزء من الاتحاد الاوربي بكل تأكيد ولا أفهم لماذا يعتقد الجميع أن ذلك من شأنه أن يعرقل علاقتنا مع السودان. المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الاوربي شيئان منفصلان ولا رابط بينهما. الاتحاد الاوربي نشط جداً هنا في السودان حيث يدعم عددًا من المبادرات التنموية والثقافية. على سبيل المثال، كان هناك فعالية قبل يومين أقامتها المفوضية القومية للانتخابات بدعم من الاتحاد الاوربي ولأننا جزء من الاتحاد الاوربي فقد ساهمنا في ذلك الدعم. لدينا كذلك علاقات ثنائية مع السودان تتضمن العلاقات الساسية والاقتصادية، الروابط الثقافية والتعليمية والعمل الذي نقوم به للارتقاء بمستوى اللغة الإنجليزية ومساعدة السودانيين على تحسين التعليم إضافة لتدريب الصحافيين والعمل مع مفوضية حقوق الإنسان، الجيش وغيرها. بالتالي فنحن نتحرك في مجال واسع فيما يخص الأنشطة الثنائية. إضافة لذلك، هناك علاقات بين السودان والاتحاد الاوربي ونحن جزء من ذلك أيضاً لأننا جزء من الاتحاد الاوربي. قدمت المملكة المتحدة العديد من المنح للسودانيين كيف تسير وما هي آليات ترفيعها؟ نقدم عددًا من المنح للطلاب السودانيين ولدينا برنامج منح دراسية مرموق. وهي ليست متوفرة لكل دول العالم لكنها متاحة بالسودان وهي منح تأتي بعد تنقيح كبير حيث نختار أفضل المتقدمين لينالوا درجة الماجستير في بريطانيا بدعم كامل من الحكومة البريطانية. إنه برنامج معطاء للمنح الدراسية حيث يتيح الفرصة لإرسال طلاب سودانيين لبعض أفضل الجامعات في العالم، هناك ايضاً برنامج المساعدة في تعليم اللغة الانجليزية حيث نقوم بتدريب معلمي اللغة الانجليزية وكذلك نوفر التدريب لمفوضية حقوق الإنسان وندعم تطويرالشرطة والشرطة المجتمعية. قمنا أيضاً يتنفيذ برنامج لتدريب الإعلاميين في العام الماضي مع مؤسسة تومسون وكان ناجحاً للغاية وتلقينا طلبات لعمل البرنامج مرة أخرى وتوسيعه ولقد بدأنا بالفعل دورة أخرى منه تتضمن تدريبًا في اللغة الإنجليزية والمهارات الصحفية لمدة عامين ونصف العام بجانب زيارات للملكة المتحدة. بعض البرامج التدريبية مثل برنامج تطويرالشرطة المجتمعية يتم تنفيذها في الخرطوم، بوتسودان ودارفور بينما يجري العمل في التوسع في تدريب معلمي اللغة الإنجليزية إلى الولايات الأخرى. كم يبلغ الميزان التجاري الحالي بين الخرطوم ولندن؟ يبلغ الميزان التجاري بين المملكة والمتحدة والسودان حوالى «200» مليون جنيه استرليني بالسنة، وهي تمثل «20%» من جملة التبادل التجاري بين السودان والاتحاد الاوربي وهي نسبة مقدرة ويمكن أن تكون أكبر من ذلك. الشركات البريطانية تأتي الى السودان في الغالب بسبب الصلات التاريخية الممتدة أوللإمكانات التي يزخر بها السودان في التعدين، الزراعة وفي مجال التدريب على اللغة الإنجليزية لكن السودان يمكن أن يكون أيضاً بيئة صعبة للاستثمار واذا نظرنا لمؤشر سهولة ممارسة الأعمال التجارية في السودان فسنجد أن الوضع ليس جيداً لأن هنالك صعوبات تتعلق بالشفافية والإطار القانوني للاستثمار وغيرها. هناك أيضاً عقبات سياسية مرتبطة بتفاعلات الأحداث مع جنوب السودان وفي دارفور والعقوبات. المملكة المتحدة لا تفرض عقوبات على السودان ولكن العقوبات المفروضة من قبل الولاياتالمتحدة تؤثر في بعض الأحيان على الأفراد والشركات البريطانية. الشيء الوحيد الذي يمكن أن أقوله فيما يخص التبادل التجاري بين الشركاء هو أن الحكومات يمكنها أن تقوم بالكثير لتحسين بيئة الاستثمار. قانون استثمار جيد، إطار قانوني جيد للأعمال التجارية، حرية وسهولة التحرك من البلد وإليه وبعض التحكم في حركة النقد هذه كلها تمثل الإطار العام. تأتي بعد ذلك القرارات الفردية التي يتخذها رجال الأعمال وذلك بمقارنة المكاسب مثلاً ما هو حجم الأرباح التي يمكن تحقيقها في السودان مقارنة بما يمكن تحقيقه في كينيا أو السعودية؟ والكثير من هذا الجانب يتعلق بقدرة السودان على عرض إمكاناته وإلى أي مدى تجد الشركات البريطانية السودان مكانًا جاذبًا للاستثمار وهذا عمل ينبغي أن يقوم به السودان، وما يمكنني القيام به هو إخبار الشركات البريطانية عن السودان. عندما تأتي شركة بريطانية للسودان، والعديد منهم قد أتى مؤخراً، فقد قمنا بمساعدتهم عبر ترتيب عددًا من اللقاءات مع مجموعة من الوزارات هنا في السودان حيث اجتمعنا مع وزراء المعادن والزراعة ولكن في نهاية الأمر فإن مسألة أن تقرر الشركات البريطانية الحضور إلى السودان أم لا، تبقى شيئاً متعلقاً بالسودان لا أستطيع السيطرة عليه لذلك عليك أن توجه هذا السؤال إلى حكومة السودان. كم عدد الشركات البريطانية في السودان؟ لا أعرف، ولكن حجم أنشطتهم في حدود ال «200»مليون جنيه إسترليني التي ذكرتها. إن كبر حجم هذه الأنشطة لا يعني بالضرورة أن تكون كلها هنا في السودان حيث إن بعضهم لديه شركاء محليون بينما يعمل البعض الآخر عبر وكلاء. ماهي أكبر شركة بريطانية بالسودان حالياً؟ لست متأكداً من أننى أريد الإفصاح عن الأسماء لكنهم يعملون في مجالات مختلفة مثل الزراعة، الاتصالات، والتدريب على اللغة الإنجليزية والأعمال الهندسية. المتابع للملف السوداني البريطاني يجد اهتمامًا ملحوظًا بملف علاقات الخرطوموجوبا عقب الانفصال، ماذا فعلتم في هذا المنحى؟ نحن لا نأخذ جانبًا واحدًا بل نعمل مع الخرطوموجوبا معاً، نريد أن نرى حلاً للقضايا العالقة. لقد تحدثت بشيء من التفصيل عن الكيفية التي بنينا بها علاقتنا مع السودان والأشياء التى نقوم بعملها على المستوى السياسي والثقافي والاقتصادي. إننا نفعل الأشياء ذاتها في جنوب السودان حيث فتحنا سفارة في جوبا وبالطبع جنوب السودان يختلف عن السودان لذلك فإن هناك أساليب عمل مختلفة، لكن المهم هو أننا نريد أن نحافظ على علاقاتنا مع البلدين معاً ودعمها لإيجاد حل للقضايا العالقة. من الواضح أنه من مصلحة الجانبين معاً أن تكون بينهما علاقات جيدة وثقة وحدود آمنة وتجارة حرة عبر الحدود. هنالك عوائق كبيرة في ملف السودان وجنوب السودان منها مرتبط بكم كالمناطق المختلف عليها وهي موجودة بالارشيف البريطاني ماذا فعلتم في ذلك؟ ما قمنا به حقًا هو إعطاء الاتحاد الإفريقي دعمًا قويًا لإنجاح العملية السلمية بين السودان وجنوب السودان عبر خبراء ودبلوماسيين في الخرطوموجوباواديس ابابا. وزير الخارجية البريطاني لديه مبعوث خاص للسودان وجنوب السودان، ونحن ليس لدينا الكثير من المبعوثين الخاصين. لقد قدمنا دعماً ضخماً ولدينا دور يجب القيام به فى هذا الشأن. ماذا قالت تلك الخرائط بشأن المناطق موضوع النزاع؟ لقد قمنا بتسليم الطرفين معاً مجموعة من الخرط التاريخية والتي على أساسها حاول الخبراء تحديد الحدود والتي اتفق عليها الطرفان إلى حد ما ما عدا بعض المناطق المتنازع عليها. للأسف أن الخرط لم تحدد أي سنتمر للحدود بين السودان وجنوب السودان لانه لم تكن هناك حدود بينهما في ذلك الوقت، لكنها تساعد كثيراً. بالتأكيد سمعت الأحداث التى نشبت في الحدود خلال الفترة الماضية في جنوب كردفان وتوتر العلاقات بين الخرطوموجوبا هذه الايام، كيف تنظر بريطانيا لذلك؟ لقد كان هناك محادثات عديدة في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا بشأن أمن الحدود. الخرطوم ذكرت أن الترتيبات الأمنية هي البند رقم واحد بالنسبة لها، وأنا أتفهم ذلك، وإحدى الإتفاقيات التي تمت في ديسمبر الماضي نصت على إقامة منطقة منزوعة السلاح حول الحدود بحيث يتم سحب القوات من الجانبين ونشر بعثة للتقصي والمراقبة. ومنذ ذلك الحين، تمت عدة محادثات وقمم رئاسية في يناير وكذلك قبل أسابيع قليلة. الطرفان حتى الآن ليسا على اتفاق كامل ولكن هناك اتفاقًا على الطاولة يبدو أنه يعطي السودان معظم ما يطالب به فيما يتعلق بإقامة المنطقة العازلة ونشر بعثة مراقبة لضمان بقاء الحدود منزوعة السلاح. هذا اتفاق مهم للغاية للسودان لأنه يتيح الفرصة لطرف ثالث مستقل أن يتحقق من وجود خروقات لأن المسألة ليست فقط أن السودان يشتكي من جنوب السودان أو العكس ولكن هناك آلية تقصٍ مستقلة. ذكرت مجلة الاكنوميست ان سبب فشل قمة الريئسين البشير وسلفا كير كان بسبب جنرالات الجيش الشعبي بالجنوب؟ لا أعرف بشأن ذلك، لكن المهم أن هنالك اتفاقًا، وأنا أعتقد أن السودان يجب أن تكون لديه رؤية واضحة بشأن مطالبه الامنية وان يدرك أن الاتفاق الذي ينص على نشر بعثة مراقبة مستقلة سيحقق الكثير من أجل تأمين حدود السودان. عندما تدخل في المفاوضات فإنك دائمًا ما تريد الحصول على أفضل اتفاق ممكن وأنا أعلم أن الاتفاق الموجود حالياً ربما لا يحتوي كل ما تطلبه الخرطوم ولكن على السودان أن يقرر أين تكمن مصلحته. إذا كنت تريد تحقيق الأمن والازدهار ووقف هجمات الحركات المسلحة وبناء علاقات رخاء وصداقة مع جنوب السودان، فإن ما عليك القيام به هو الوصول لاتفاق بشأن هذه القضايا. المشكلة ان دولة الجنوب لا تزال تدعم متمردي السودان؟ بالتأكيد أنت لا تريد لهذا الوضع أن يستمر ولقد تعهد الرئيس سلفا كير بانه سيوقف ذلك الدعم ولهذا هناك حاجة لإقامة منطقة عازلة على الحدود. مشروع الجزيرة كما تعلم بدأ بريطانيًا وهو الآن يتداعى؟ لم أزر مشروع الجزيرة بعد لكن اذا كانت حكومة السودان تريد تأهيل المشروع عبر شراكات وعقودات فإن الشركات البريطانية ستكون في وضع جيد يمكِّنها من فعل ذلك نسبة للروابط التاريخية مع مشروع الجزيرة، بعض الشركات البريطانية تساعد في إنشاء السدود هنا لوجود تلك الصلات التاريخية التي تحدثت عنها.