إن الحديث عن محمد سيد حاج، حديث عن شخصية فذة، وداعية ليس له شبيه، وعزاؤنا فيه ثناء الناس عليه، والشيخ محمد سيد حاج ذو أثر عميق متجدد في النفوس، ما يميزه عن غيره، علو الهمة ووضوح المنهج، وله مكانة خاصة في نفوس أهل السودان لا تنكر، ومن المحطات التي استوقفتني وهي كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر، قد جاءني ذات مرة شاب عليه أثر الالتزام والسنة قد أرخى لحيته، وأخبرني أنه التزم بتطبيق نصوص الكتاب والسنة في نفسه على يد فضيلة الشيخ محمد سيد حاج بعد موته، قلت له: عجبا كيف كان هذا؟ قال لي في الحقيقة لم أكن أعرفه قبل موته، وهذا برغم ظهور الشيخ في القنوات والإذاعات والجامعات والحلقات والمحاضرات، تعجبت أيضاً! لكن هذا شأن بعض الناس الذين يعرفون الغناء والفن ولاعبي الكرة، ولا يعرفون عن الشيخ وأمثاله شيئاً، خاصة أن هذا الشاب مدير إداري لمستشفى مشهور في أمدرمان، وبرنامج عمله وبرنامجه اليومي جعله يكون بعيداً عن الشخصيات الدعوية والتربوية والعلمية أمثال فضيلة الشيخ محمد سيد حاج رحمه الله، وأنزل الله عليه شآبيب رحمته. هذا الشاب قد عرف الشيخ في أول يوم انتقل فيه الشيخ للرفيق الأعلى، بعد أن رأى الشاب تلك الجموع الغفيرة والكثيفة التي تنهمر منها الدموع الحزينة والصدور التي لها أزيز كأزيز المرجل إذا أشتدّ غليانه، التي ما شهدت الخرطوم تشييع جنازة رجل مثله! ومن هنا سأل هذا الشاب من هذا الرجل؟ الذي أجبر الناس على الخروج حكاماً ومحكومين، فقد كان صاحبنا لا يعرف عن محمد سيد حاج ولو محاضرة واحدة من ذخيرة المحاضرات التي فاقت الألف محاضرة، وقد بدأ في البحث عن محاضرات الشيخ، ويرخي أذنه عندما يسمعه في الإذاعات، وفرح فرحاً شديداً أن فاز باقتناء ثلاثين محاضرة فقط، وظن أنه قد جمع كل المحاضرات للشيخ، دهش عندما ذكرت له أن محاضرات محمد سيد قد فاقت الألف محاضرة! في عمره القصير لأن الشيخ من مواليد 21مارس 1972م! تلك هي المحاضرات التى جمعت وسجلت له، والمحاضرات التي لم تجمع وتسجل كثيرة، وجعل يتأمل في البركة والقبول في العمر القصير الذي عاشه الشيخ، وفي هذا العمر انتشرت محاضراته، وقلّ أن تجد سودانياً لا يعرفه أو جهازاً للكمبيوتر لا يحتويه أو موبايل لا يحمله داخله، وهذه هي المحطة الأولى ومثل هذا الشاب كثر. وأما المحطات الأخرى، فهي كثيرة ومنها عندما يسافر الإنسان عبر الباصات السفرية أو ينتقل بالمواصلات الداخلية يكون محمد سيد حاضراً بصوته ونبراته، واستحق أن يقال له الراحل المقيم! يتحفنا بحديثه ويحافظ على أخلاقنا بعد أن سئمنا من الفيديوهات الرومانسية التي تجرح ضمائرنا وأعراضنا في الباصات السفرية، بل ليست هنالك سيارة عامة أو خاصة وبها مشغل MP3 إلا وللشيخ مكانة فيها، وحتى أصحاب الركشات يطربون ومعجبون بالشيخ، وقد أصبح الصاحب في السفر بحديثه العذب الرقراق ويضفي على الركاب جواً من الإيمان وسياحة في عالم السلف ونصحاً وإرشاداً كالأخ المخلص، والصاحب الوفي، والأب المشفق، حديثه تنبيهاً للغافل، وتعليماً للجاهل، فيه من القرآن والسنة والشعر والحكمة والفصاحة والبلاغة والبيان، قلّ أن تجد خطيباً يراعي جميع طبقات المجتمع، العالم والجاهل الكبير والصغير، إلا فضيلة الشيح، رحمة الله عليه. بل حتى عمال السقالات وفي وهج الشمس المحرقة والأعمال الشاقة يسمعون للشيخ! وقد أخبرني أحد الإخوة وكان معه عمال يحصدون في المشاريع المروية بمشروع مهدي بولاية الجزيرة، عندما ينزلون لتناول وجبة طعام، يستريحون على صوت محمد سيد حاج من جوالاتهم، لله دره، بل وقضايا الشباب طرق إصلاحها بأسلوب مقنع جمع فيه بين المناقشة العقلية والحوار الهادف البناء، وتأصيلاً علمياً دقيقاً، وفهماً لقضايا المجتمع وآماله وآلامه، ويتجسد هذا كله في اختياره للموضوعات. رويدك شيخنا مهلاً فراقك لم يكن سهلاً عميد الفكر يا علماً محوت بعلمك الجهلا وكنت الغمد للإسلام تضم السيف والنصلا