«إغتيال أو إعفاء» خياران لا ثالث لهما، هي الطريقة التى تتم بها المحاسبة أو المعاقبة لأي شخص أيا كان منصبه لدى حكومة جنوب السودان. فمنذ الانفصال ازدادت حالات الاغتيال والتصفية لأي من كانت له آراء مخالفة لحكومة الجنوب، وإن كانت تلك الطريقة المتبعة لعدد من القيادات إلا أن مع زيادة المناهضين والرافضين لسياسة سلفا كير، بات أمر الاغتيال غير وارد أمام عدد كبير من الجنرالات والولاة، فكان خيار الإعفاء هو الأقرب لإسكات هؤلاء. وأمس الأول، أقدم رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير باتخاذ خطوة مفاجئة، وذلك من خلال إصداره لقرار بإعفاء كل حكام الولايات المتاخمة للسودان، وهم تعبان دينق حاكم ولاية الوحدة، ورزق زكريا حاكم بحر الغزال، وحاكم أعالى النيل سايمون كون، إضافة لحاكم شرق الإستوائية لويس لوبونق. كذلك القرار شمل إعفاء «118» جنرالاً من الجيش الشعبي الذين أبدوا رفضهم للقرار الذي بررته قيادات حكومية بأنه جاء نتيجة لتورط المقالين فى محاولة انقلابية على حكومة الجنوب، فى وقت تزامنت فيه الإقالة مع انشقاقات عنيفة ضربت الجيش الشعبي، ووصف برنابا بنيامين أن هؤلاء القادة يتعاملون بعقلية التمرد. تساؤلات شتى برزت عقب هذا القرار، أهمها لماذا اتخذ سلفا هذه الخطوة، وهل هنالك نوايا للتصعيد مع السودان، وما هي أسباب الإقالة، هل هي مقنعة؟ وهل يهدف ذلك لتمكين قطاع الشمال من خلال رؤيته الجديدة. بالنسبة لأسباب الإقالة بحسب الخبير الإستراتيجي اللواء عباس إبرهيم خلال حديثه ل«الإنتباهة» أن ظهور المحاولات الانقلابية التي حدثت خلال السنوات السابقة داخل الحركة الشعبية، كذلك التفلتات القبلية، كذلك هنالك عدد من القيادات داخل الجيش الشعبي لها رأي مخالف لرئيس الدولة، هذه الأحداث جعلت كل الجهات الغربية تنصح سلفا باتخاذ ما يحميه. وفى كل محاولات المفاوضات أو خلافها تبرز اتجاهات مناقضة للاتفاق الذي يحدث، فكثرة المحاولات جعلت سلفا يتيقن أن هناك طوفاناً سيحدث، الأمر الذي جعله يتخذ هذه التحوطات ويمنع هذه الفئات من المناصب، وحاول أن يكون لين الجانب بعد إحالتهم، أن يستلموا مرتباتهم كاملة. ويضيف محدثي أن الولاياتالمتحدة، وما يقوم به المستشار الأمريكي لحكومة الجنوب فى سبيل تحويل الجيش من مليشيات إلى جيش نظامي، فكان لا بد من محاولة الهيكلة، فهذه الأعداد من الجنرالات لا تتماشى مع حجم الجيش، بمعنى أنه كثرت أعدادهم نتيجة للترضيات التى حدثت لهم إبان الحروب الأهلية السابقة، لكن الموقف الحالي يتطلب أن يعاد النظر والتدريب وحجم الوحدات وأماكن التركيز، إضافة إلى أن بعض الجنرالات حكام الولايات المتاخمة للسودان سواء في بحر الغزال أو أعالي النيل يتحدثون بأساليب قبلية، إضافة إلى أنهم يؤيدون التفلتات التي تحدث فى التفاوض، وما يجمع بينهم وبين القادة أن كل تصرفاتهم من وجهة نظر سلفا، لا تصب في مصالحه. والحديث لعباس الذي يضيف، أن هناك تفلتات تحدث دون علم القيادة، لذلك فلا يستبعد اللواء عباس أن هذه الخطوة لا تخرج من كونها احترازية للمحافظة على الوضع الأمني.. كذلك الرأي الآخر لإعادة تنظيم الجيش بإعفاء هؤلاء القادة حتى لا يحدث اختراق للمفاوضات القادمة أو إضعاف هؤلاء القادة لإضعاف المفاوضات القادمة. ولم يختلف الخبير الأمني حسن ضحوي مع عباس كثيراً، فقد اتفق معه أن هؤلاء الولاة شكلوا عقبة كبيرة فى مشوار السلام مع السودان، وإن إعفاء سلفا لهم فى هذا التوقيت، ربما لتحقيق السلام، إلا أن مراقبين وصفوا هذه الخطوة بأن لها نتائج ربما ستظهر فى القريب العاجل لتكشف أسباب إقالة قادة وولاة الولايات المتاخمة للحدود مع السودان، ولم يستبعدوا أن تكون بمثابة التصعيد مع السودان بعد أن ظلت جوبا أخيراً تتحرك عسكرياً نحو الحدود لتنفيذ عمليات عسكرية. إلا أن هذا القرار ربما يأتي لمصلحة قطاع الشمال لتنفيذ رؤيته الجديدة، وأن هؤلاء الولاة كانوا عقبة أمام القطاع. إذاً، فقرار رئيس حكومة الجنوب سلفا كير بإعفاء هؤلاء الولاة وصفها خبراء بحسب «سودان تربيون» أنها من أعنف الخطوات التى هزت الجيش الشعبي منذ الانفصال، ويبقى المغزى من هذا القرار طي الكتمان، فيما ستكشفه الأيام المقبلة.