ظلت قضايا المخالفات المالية تأخذ حيزًا كبيرًا في الوسط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي مما حدا بالسيد رئيس الجمهورية في وقت سابق إلى إصدار قرار قضى بتكوين آلية لمحاربة هذا الكائن المنتشر بسرعة حتى وصل ضجيجه قامات سامقة في دولاب العمل العام بالدولة، وقام الرئيس بتكوين ما يُعرف بآلية محاربة الفساد في الدولة مما أوجد مغالطات هي الأعنف من نوعها وانتشر بعدها الحديث بصوت عالٍ وبدأ الكل يتحدث عن فساد الدولة وخراب الذمم المالية للدستوريين.. وقد أدى القرار إلى تبريد حرارة نيران الظاهرة الأخلاقية المشينة وسط الذين تشير إليهم أصابع التهمة قبل أن تتصاعد وتعم الكل بدخانها. ولكن هناك من أشار إلى أن قرار الرئيس البشير القاضي بمحاربة الفساد المالي والأخلاقي من خلال تلك الآلية لم يجد التطبيق المثالي مما دعا الرئيس إلى وضع حد لها بإقالة الرئيس المعين لتلك الآلية لاحقًا وهو أبو قناية حسب حديث بعض المتابعين، وواجهت هذه الإقالة تفسيرات ومغالطات كثيرة عمقت من تضاؤل فرص محاسبة أولئك الموظفين الذين تدنست أيديهم واتهموا بالفساد الوظيفي والمالي. وكان البرلمان قد ناقش مؤخراً في بعض ما ناقشه مخالفات وزارة الإرشاد وحيثياتها التي تابعها الكل بشغف واهتمام فبينما أشارت أصابع الاتهام وقتها إلى السيد الوزير وبعض المسؤولين الكبار بالوزارة ظن الكل أن المحاكم ربما تشهد مغالطات ومحاسبات مالية ستكون حديث العام 2012م وقتها. ووسط تحفز الكل وتهيئة المهمومين بقضايا الخدمة العامة من الانتصار لها والقصاص من الذين اغترفوا ما ساء وظل أثره يتردد حول الخدمة العامة، ماتت القضية بإقالة السيد الوزير ولم تظهر إدانة أي من المتورطين أو المتهمين بتلك القضايا ومن ثم نيله جزاء ما اغترف من عقاب. وبالأمس كشف د. الفاتح عزالدين رئيس لجنة العمل والإدارة والمظالم العامة بالبرلمان عقب اجتماع عقده مع المراجع العام عن إحالة ملفات مخالفات مالية للقضاء خلال أسبوعين مؤكداً أن البينات التي ستحال بموجبها تلك القضايا إلى المحكمة راجحة وأن القضاء سيفصل فيها بالحكم الناجز، وقال إن القضايا التي ستُرفع للمحاكم شغلت الراي العام مشدداً على تقديم أية قضية للمحاكمة مضيفاً بقوله: إننا لن نعالج أي قضية بالمسكنات، نافيًا مقدرة أي جهة على تكبيل البرلمان.. ووصف الفاتح القضايا التي سوف تقدم للمحاكم بالشائكة وتضم أطرافاً داخلية وخارجية، وقال: إذا لم تقدم القضايا متماسكة فستُشطب وتنهار لذلك لا بد من إكمال الحيثيات كاملة، وأكد معالجة أي قضية تتعلق بالمال العام بنسبة «90%» كما أكد استهداف جهات ذات علاقة بالعمل في مؤسسات موازية، وقال: كل هؤلاء سيطولهم التحقيق وكشف الفاتح عن التوصل لمراحل متقدمة في قضية وصفها بالكبرى ونفى بشدة وجود تأثيرات سياسية على التحرك في تلك القضايا. ورغم أن الخطوة تبدو للمتابع الذي ألف هذا النوع من القضايا بالعادية والمسلسل لشغل الناس يقول الدكتور عبد الله البشري مدير مشروع إصلاح الخدمة السابق ومستشار وزير العمل ل«الإنتباهة» الأمر الحقيقي والجاد ويقول إن من أسباب انعدام الثقة يعود لعدم تحويل ما يقال عن فساد الإداريين إلى برامج تدريبية تخدم الخدمة العامة كما كان يحدث في السابق مشيراً إلى أن عدم تواصل الأجيال بين قيادات العمل العام الذين عرفوا بالنزاهة والعفة وبين القيادات الراهنة واحدة من الأسباب التي أدت إلى تفشي الظاهرة السالبة مؤكداً أن المجتمع في أوج حاجته لرفع الوعي وذلك لأن الخدمة العامة فقدت ما نسبته «90%» من القيادات التنفيذية السابقة والتي كانت في قمة النزاهة ولديها حساسية كبيرة جداً ضد الفساد. وأكد البشري عدم وجود ضغوط سياسية أو تحرك يفسَّر من قبل الآخرين بذلك الفهم. واستحسن حديث البرلمان عن القضايا المثارة للجدل كقضايا الفساد وغيرها في الوقت الذي وجدت فيه اهتماماً غير مسبوق من قبل الرئيس ونوابه بتشكيل آلية لمحاربة الفساد ولكنه أشار لغياب الآليات المساعدة في تنفيذ وصايا البرلمان والمراجع العام وإنزالها على أرض الواقع وتحويل الفشل لنتائج إيجابية مما جعل المواطن يتوجس ويصف كل حديث للمحاسبة بأنه مسرحية رغم أنه غير ذلك وأنه يمكن محاسبة المعتدين إذا توفرت الآليات.. ولكن القانوني الضليع الأستاذ تاج السر محمد صالح لخص الأمر في حديثه لي بقوله: من المعروف بالضرورة أن لكل وظيفة حصانة وإذا لم تُرفع هذه الحصانة من الجهة المختصة فلا يمكن محاسبة شاغلها، وإذا لم يكن لشاغل الوظيفة حصانة فمن السهل واليسر محاسبته، وهذه مسألة بدهية. ورغم ذلك سيظل الناس مهمومين بهذه القضايا ويتابعون بشغف انتصار القانون هذه المرة بمحاسبة من ظل الكثير يتحدث عن ضلوعهم بالتقصير أو الخيانة لأملاك الدولة فهل انتظار هؤلاء سيطول أم أن الأيام القادمة ستفرج عن ما طال انتظاره؟