أجد نفسي على خلاف في الرؤى حول الوضع الراهن للخدمة المدنية مع وزيرة العمل والموارد البشرية الأستاذة إشراقة سيد محمود في وصفها لوضع الخدمة المدنية خلال الملتقى الذي انعقد في الأيام الماضية لمناقشة واستعراض بعض التجارب الإدارية الناجحة برعاية من المنظمة العربية للتنمية الإدارية بأن وضع الخدمة المدنية في السودان يواجه بعض التحديات، فالخدمة المدنية يا سيادة الوزيرة لا تواجه تحديات فحسب إنما هي في مأزق حقيقي في الوقت الحالي، مأزق يحتاج لمواجهته بعزيمة وارتكاز وذلك لجملة من الاعتبارات أبرزها عصا التسييس التي طالت الخدمة المدنية والتعيينات العشوائية التي لم تستطع وزارة العمل التحكم فيها وهذه حقيقة لا تستطيع الوزارة بأي حال إنكارها.. فكم من الوظائف تم شغلها بعيدًا عن المواصفات الوظيفية المقيدة للعمل في الخدمة المدنية فهذه وحدها أضعفت الكادر الذي يشغل الوظيفة العامة وبالتالي انعكس الأثر بصورة مباشرة على الأداء العام في الخدمة المدنية، هذه واحدة من الأشياء الأساسية التي ما استطاعت وزارة العمل إحداث اختراق أساسي فيها بمعالجات تعيد للخدمة المدنية ألقها وازدهارها وعهدها الذهبي حينما كانت مؤسسات الخدمة المدنية ترفد ساحات العمل العام بكوادر مهنية ملمة بأدق التفاصيل حول تخصصاتها وصاحبة مهارات استفادت منها دول كثيرة من حولنا في تأسيس دولاب الدولة.. صحيح الآن نعاني من إسقاطات الوضع الاقتصادي الدولي كغيرنا من الدول لكن منهج الإصلاح غائب، وفي هذا فإن سبيل تلمس المبادرات الجادة يعد واحدًا من الأشياء التي يجب علينا أن نشيد بها وعليها بوزارة العمل في دعمها المقدر وتبنيها القوي لواحدة من أهم المبادرات الولائية في التنمية الإدارية تلك المبادرة التي دفعت بها ولاية شمال دارفور ممثلة في وزارة المالية وفي الوزير الدكتور عبده داود في الشراكة التحصيلية وأهمية هذه التجربة تكمن في كونها نموذجًا للأداء المالي والإداري في الولايات التي تعاني من ظروف أمنية معقدة، فمعروف أن شمال دارفور من الولايات التي لا تزال تواجه أوضاعًا أمنية غير مستقرة بسبب تفلتات بعض الحركات المتمردة فتبني وزارة المالية والاقتصاد بالولاية تجربة الشراكة التحصيلية لتوسيع المظلة الإيرادية لاستغلال الموارد الولائية الاستغلال الأمثل من خلال مضاعفة المواعين الإيرادية لمعالجة الإخفاقات التي حدثت في عملية التحصيل وما صاحبها من سلبيات جعل المنظمة العربية للتنمية الإدارية تأخذها مع مبادرات أخرى كنماذج من أجل التأهيل والتدريب لترقية الأداء في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، يحق لنا أن نهنئ ليس وزير مالية شمال دارفور وحده إنما نهنئ عددًا هائلاً من الجنود المجهولين من موظفي وزارة المالية ومن الوسائط الأخرى المجتمعية الذين ساعدوا بقناعاتهم في التجربة ليكتبوا لها النجاح، لكن يبقى الشيء المهم أن مثل هذه المبادرات يجب أن تعمَّم على الولايات الأخرى لتبث فيها روح المبادرة والإقدام على مضاعفة العطاء، رغم كل الظروف والتعقيدات المعلومة في الولايات.. وتجربة الشراكة التحصيلية أبلغ دليل على أن الإنسان صاحب العزيمة قادر على تطويع المستحيل لخدمة أهدافه..