لا أود قصم ظهره ولا أنوي إحراج تواضعه إذا ما قلت إن ما قرأته له في باب عصف ذهني، كان من وراء مداخلتي مع ما كتبه بعدد الجمعة «27» شوال «1433ه» وإن شطَّ نوى الأيام بين تاريخ كتابته وكتابتي هذه.. ذلكم هو الأخ الكريم الأستاذ عبد المحمود نور الدائم الكرنكي الذي أعدّه من مصاف الكتَّاب العارفين الذين تكتبهم المقالة قبل كتابتهم لها فيشعرك بقربك من مادته في المعنى القريب والمدلول البعيد.. فكان أن لفت انتباهي في موضوع «عصفه الذهني» في ذلك اليوم آنف الذكر الذي جاء تحت عنوان البشير ود هديَّة فلقد أصاب الكرنكي وصدق وأبر حين ألمح إلى اعتداد أهل السودان بنسب المشاهير من الزعماء والاعلام في كل المجالات لآبائهم لدرجة أن الكثير من الناس يصرّ على نسب هؤلاء إلى آبائهم وأجدادهم «بالعصبة» دون «الرّحم» فيلقم حجر الاعتراض في فم كل من أراد أن ينسب ذلك الزعيم أو العالم إلى والدته وأهلها فيفاجأ بكرت أحمر يشهر في وجهه منطوقه «الخيل بتمشي بي رؤوسها أم بأعقابها؟!» ولعل هؤلاء ينسون أو يتناسون أو يجهلون المكرمة الشريفة التي مؤدّاها «إن ابن بنت القوم منهم» ومن الذين عُرفوا أكثر بأسماء أمَّهاتهم نجد شاعر القوم الكبير إبراهيم ود أحمد وهو من قبيلة المسلمية بشرق النيل ونواحي البطانة وهو شاعر الكباشي الشهير باسم إبراهيم ود نفيسة فاقترن اسمه بها وفاءً لها إذ هي من عشيرة الشيخ حسن ود حسونة ويرحم الله الشيخ العبيد ود ريّا حكيم الأمة السودانية الذي قال لمن سأله عن من هو أميز الشيوخ الذين سبقوه والذين عايشهم فردَّ ود ريّا بحكمته المعهودة قائلاً: «أُذني ما سمعت مثل ود حسونة وعيني ما شافت مثل الكباشي»!!. وقد جمع إبراهيم ود نفيسة بين مدح الشمائل النبوية وبين قصيد القوم في التغنّي بمآثرهم في الدعوة إلى الله وعلى رأسهم شيخه وشيخ والده الشيخ إبراهيم الكباشي وقد ترجم له في دراسة وافية شيخ شعراء السودان إلى اشعار آخر، العلامة عبد الله الشيخ البشير الذي كان قد قام بها لجامعة الخرطوم وطبعت أخيراً وهي «ديوان ود نفيسة» وحين سألته في محاورة أجريتها معه ونشرت بحياته بمجلة المتلقي سألته عن دوافع دراسته لود نفيسة فقال شيخ الشعراء «إنه شاعر غوَّاص لا يرضى بالمحاور والأصداف ويبحث عن أغلى جواهر المعاني والمفردات والغوص في بحره صعب وشاق كما وجدته!!» وأكمل حديثه قائلاً: لو خُيِّرتُ أن أحقق المعرِّي أو ابن الرومي أو إبراهيم ود نفيسة لاخترتهما!!. فهو صاحب القصيدة المشهورة: جيت فوق جبلو ها بقيت قبلو الكباشي القيدو في شبلو وكان شيخنا عبد الله الشيخ البشير يطرب كلما أنشدنا قول ود نفيسة: شوفو من النور كيف لِبِس حُلَلُو يَسْقِي سِرْ اللَّه مِن بَطُنْ قُلَلو تلكم هي بعض وقفات ود نفيسة وهو يخلع حلل الوفاء على والدته السيدة نفيسة محسوبة الشيخ حسن ود حسونة من خلال قراءته الباصرة للشيخ الكباشي ومآثره هي التي ألهمت شيخ الشعراء، تلكم الدراسة القيِّمة التي صدرت الآن وقد تناغم معهما في ذلك، الدكتور المغربي المقيم بالمدينة المنورة وهو اختصاصي في الطب النفساني. د. الشاهدي الوزاني الذي حقق أطروحة الشيخ الكباشي «إرشاد المريد» وهو ما فعله شاعر القوم إبراهيم ود نفيسة الذي يحلو لي أن أسميه ب «متنبي حومة الكباشي الروحية».. أما البشير وَد هديَّة ولما أودعته في روعه من حب لقيمة أهل الإصلاح ولمقام الصالحين فقد تشربته من أنفاس في الحوارة وحوش بانقا والشيخ عبد الرازق أبو قرون حديد والشيخ صالح حيل اللقمة والشيخ حامد أبو عصاة سيف وبجوارها الشيخ علي الحفيان ومحبة للسيد علي الميرغني ومحبة متأصلة لأهل القرآن لا تزال دار عمنا حسن البشير تستظل بها وللحديث بقية عن الشيخ العبيد و ريَّا. الذي قال إدريس جماع مادحاً اقتفاء الخليفة حسب الرسول لمنهاج والده ود بدر حين قال عنه: أنت الكريم ابن الأكارم والإمام ابن الإمام أوقدت للقرآن نارًا لا تكفُّ عن الضرام كما للحديث بقية عن دار حسن أحمد البشير التي أنجبت كوكبة من الأبناء البررة الذين توثَّقت صلتهم بأهل القرآن من لدن والدهم وأشهرهم الأخ الكريم خادم القرآن المشير عمر البشير، والأخ العزيز الشهيد المحتسب الذي ركل الدنيا وكان شيخاً في خدمة حلف العلم.. فمن يكون ذلك غير عثمان رمز الزهد والتواضع.. وتحيَّة لهذه الأسرة التي تربَّت في كنف والد طالما أمسى كالآمن عمل يده العم حسن أحمد البشير رحمه الله.