خلال الأسبوع السابق وفي ظل تداعيات تشريع قانون الصحافة الجديد أعدتُ ما كتبته سابقاً عن خطورة القانون الجديد مقارنة بقانون الصحافة 2009م.. ولكن الأخطر من ذلك أن يتم تحجيم حرية الرأي والتعبير عبر بوابة القضاء التي يُفترض فيها حماية تلك الحريات بالقوانين السارية.. حيث صدرت عن المحكمة العُليا الخرطوم سابقة قضائية ستكون وبالاً على الصحافة في الأيام القادمات وهي السابقة بالرقم م/ع/ط ج/322/2012م والتي أطلقت لمجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية حرية إيقاف الصحف بالشكاوى الإدارية والتي تصل إلى حد إيقاف الصحيفة لمدة ثلاثة أيام وفق قانون الصحافة والمطبوعات لسنة «2009م»، إذ اعتبرت السابقة المعنية أن القرارات التي تصدر عن مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية هي قرارات إدارية يجب استئنافها إلى محكمة الطعون الإدارية، ولكم يا أهل الصحافة أن تتخيلوا أنه لن تستطيع محكمة الطعون الإدارية بالاستئناف إيقاف التنفيذ في قرارات مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية لأسباب عديدة هي: 1/ أن مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية دائماً ما يُخطر الصحيفة بالإيقاف في آخر يوم بعد الساعة الحادية عشرة صباحاً وباعتبار إيقاف الصحيفة لليوم الثاني مباشرة وهو ما لا يمكن معه وقف تنفيذ القرار إن كانت المحكمة المختصَّة بالاستئناف هي محكمة الطعن الإداري بالاستئناف وذلك لضيق الوقت. 2/ الوقت في تقديم الاستئناف ومن قبل كتابته لن يمكِّن الصحيفة من إصدار أمر من محكمة الاستئناف للطعون الإدارية بوقف التنفيذ باعتبار أن الرسوم تُدفع في المحكمة حتى الساعة الثانية عشرة بالنظر إلى زمن إحضار الأمر الصادر بالإيقاف للصحيفة والذي يتم إحضاره عادة في نهاية اليوم علماً بأنه في السابق كانت الاستئنافات تُقدَّم إلى قاضي محكمة الصحافة والمطبوعات وفق أمر التأسيس الصادر عن السيد/ رئيس القضاء، وكانت المحكمة الموقرة تنظر الاستئناف وتصدر أمر الوقف في وقت وجيز حتى لا تتضرر الصحيفة من الإيقاف بواسطة مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية. بالرجوع إلى السابقة القضائية المذكورة فإنها قد خالفت قانون الصحافة والمطبوعات لسنة «2009م» باعتبار أن محكمة الصحافة والمطبوعات هي المحكمة المختصة بنظر الاستئنافات في القرارات الصادرة عن مجلس الصحافة والمطبوعات، وهذا ما كان معمولاً به منذ قانون الصحافة السابق «2004م» والتي عُدلت في القانون الجديد بالمادة 34/1 كما خالفت الدستور الانتقالي لسنة «2005م» في عدة نصوص هي: 1/ قرار تأسيس محكمة الصحافة والمطبوعات وفق المادة 34/1 كان لمحكمة جنايات الخرطوم شمال وليس لمحكمة الطعون الإدارية. 2/ الحق في التقاضي وعدم منع أحد من اللجوء إلى القضاء وفق المادة (35) من الدستور (الحق في التقاضي). 3/ مخالفة المادة (34) من الدستور المتعلق بالمحاكمة العادلة إذ لا يُتصور أن تكون هناك محاكمة عادلة في قرارات مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية باعتبارها ليست محكمة تناقش وتفند الادعاءات علماً بأن الإيقاف عقوبة يجب أن تصدر عن المحكمة فقط. 3/ مخالفة السابقة لوثيقة الحقوق والحريات بالدستور الانتقالي بالمادة (27) والتي اعتبرت كل المواثيق الدولية المصادق عليها في السودان والتي اعتُبرت موجِّهات عامة وجزءًا لا يتجزأ من الدستور حتى لا تُمس الحريات والتي من ضمنها حرية التعبير للانتكاس وتكون مدعاة لمنظمات حقوق الإنسان بالخارج للقول بعدم وجود حريات صحفية في السودان. ختامًا إذا لم يتم إلغاء السابقة المذكورة المخالفة للقانون فستظل حرية الصحافة والتعبير على المحك حيث يجب على الصحفيين مناهضة تلك السابقة بكل السبل والطرق. ودمتم... سعد الدين محمد حمدان- المحامي