إذا قلنا إن الجنوب انفصل وذهب إلى حاله بنسبة استفتاء حول تقرير مصيره كادت تكون كاملة، فهي أكثر من ثمانية وتسعين بالمائة، وقلنا إن المشكلات التي كان يسبِّبها للبلاد من حين إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى ينبغي أن يحسمها الانفصال. وهذا الانفصال مرّ عليه الآن قرابة عامين، إلا أن الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا رعت ضد السودان بعد انفصال الجنوب تفجير مشكلات أمنية من خلال الجيش الشعبي الذي تعتبر قوات قطاع الشمال جزءًا منه وتتقاضى مثل قواته المرتبات من جوبا، وما يأتي من دعم من الخارج لقوات قطاع الشمال فيه نصيب بل حتى حركات دارفور المتمردة تجد النصيب. صحيفة غير صحيفة «الإنتباهة».. بل صحيفة تنشر حوارات وتصريحات قادة الحركة الشعبية، هي صحيفة «أخبار اليوم»، كانت عناوينها يوم الخميس الماضي تتحدث عن جرائم وصفتها بالنكراء ارتكبها الجيش الشعبي. ثلاثة عناوين يقول أولها «الجيش الشعبي يواصل ارتكاب جرائمه النكراء ضد المواطنين السودانيين داخل الأراضي السودانية».. ويقول الثاني: «مجموعة من الجيش الشعبي تعتدي على مشروع بقولي بالنيل الأزرق وتذبح مدير المشروع وتنهب محتوياته».. ويقول الثالث: «بعد ارتكابهم لجريمتهم النكراء وقطعهم لآذان مواطنين سودانيين جنود الجيش الشعبي يقولون للضحايا: خلوا المؤتمر الوطني يرجع ليكم إضنينكم». هذه العناوين كانت في صدر صحيفة أخبار اليوم «يوم الخمس الماضي. هل كانت صحيفة «أخبار اليوم» انفصالية قبل انفصال الجنوب؟! بالطبع لا. أما صحيفة «الإنتباهة» فكان عنوانها يوم الخميس الماضي هو «اتصالات بين المعارضة ومتمردين لتنفيذ عمليات تخريبية».. كان هذا أيضاً عنوان صحيفة «اخبار اليوم» الرابع وجاء هكذا:«الوطني يكشف عن اتصالات سرية بين المعارضة والحركات المسلحة وقطاع الشمال لتنفيذ مخططات تخريبية بالبلاد».. عنوان «الإنتباهة» الثاني ليوم الخميس الماضي. أيضاً يقول: «مقتل سبعمائة وواحد وتسعين سودانياً وإصابة أكثر من ألف بنيران الجيش الشعبي منذ الانفصال». ترى ما الذي يجعل كل هذه المآسي تقع من الحركة الشعبية على المواطنين السودانيين رغم انفصال الجنوب منذ قرابة عامين؟! أليس هو ارتباط ما يسمّى بقطاع الشمال بحكومة جوبا؟!. ثم نسأل: هل يُسعد «قطاع الشمال» كل هذه المآسي والكراهية العنصرية التي تقع على المواطن السوداني حتى بعد انفصال جنوب السودان؟! إن كان يسعده هذا وإن كان متمسكاً رغم هذا بارتباطه بجوبا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ثم نسأل أيضاً: إذا كانت الحكومة قد حاورت قطاع الشمال ووصلت معه إلى اتفاق ترى هل ستستمر مآسي الجيش الشعبي على المواطنين السودانيين هل ستتعرض آذانهم للاعتداءات أسوة بأذن ياسر عرمان التي اعتدى عليها أحد الجنوبيين الذين كان متمرداً معهم؟! إن عرمان هو صهر قبيلة جنوبية ومع ذلك تعرضت أذنه للإصابة من أحد أصهاره «قطاع الشمال» يختلف تماماً عن حركات التمرد الدارفورية، فالأخيرة علاقتها بالقوى الخارجية علاقة دعم وتمويل وعلاقة بالقوى الخارجية تبقى إدارية وقيادية ومنهجية وإستراتيجية، فهو ينفذ مشروع أجنبي لدولة أجنبية هي دولة جنوب السودان في عهدها الأوّل عهد الحركة الشعبية. أما اتصالات المعارضة السودانية التي تفتقر إلى الذكاء السياسي والطرح الخارق بالحركات المسلحة وقطاع الشمال، فتبقى مثل ارتباطها بحركة قرنق قبل اتفاقية نيفاشا؟! هي علاقة من أجل المكايدة وهذه المكايدة تبقى إفرازًا طبيعيًا للشعور باليأس.. ليس من صالح المعارضة السودانية وهي تتحدّث عن التحوّل الديمقراطية أن تربط نفسها بجهات هي تعلم ألا علاقة لهم بالديمقراطية البتة إنما يريدون فقط المكاسب الشخصية والجماعية والحزبية بمختلف أشكالها. نعم إذا كان المؤتمر الوطني في نظر المعارضة عدواً سياسياً فالأولى أن يكون في نظرها كذلك المتمردون.