«ذبح أربعة تجار سودانيين بدولة جنوب السودان».. هذا هو عنوان أهم خبر بالأمس نشرته هذه الصحيفة.. وقبل الانفصال كان يقال «التجار الشماليون».. الآن هم التجار السودانيون.. وهناك الآن السفير السوداني في جوبا.. والسفارة السودانية هناك دورها أن تتابع ملابسات هذا «الذبح» الذي وقع على مواطنين سودانيين يساهمون في الحركة التجارية في الدولة الجديدة.. فهم ليسوا مجرمين مثل عصابات النقروز المعروفة هنا في السودان، وهي عصابات قال عنها وزير الداخلية إنها ظهرت بعد انفصال الجنوب، ترى هل نسمع مركزاً للسفير السوداني في جوبا حول هذه الجرائم النكراء أم أن الحالة السياسية لا تسمح بتدخله في الأمر؟. لكن أي أمر يمكن أن يتسنى له الدخول فيه أكبر من هذا؟. إن أفضل مايمكن أن يفعله السفير السوداني هناك هو أن يعود محتجاً، وإأن تستدعي وزارة الخارجية السفير الجنوبي، فهم تجار اعتدى عليهم جيش دولة الجنوب وهو إن كان جيش تمرد خارج على القوانين إلا أنه الآن من المفترض أن يكون جيشًا نظاميًا محترمًا يتخلى عن الممارسات والسلوكيات التي تنتهجها المليشيات المتمردة، ثم إن مسألة الكراهية العنصرية التي تحفز «الجيش الشعبي» على مثل هذه الاعتداءات مفترض أن تكون قد حسمت تمامًا بعد إعلان انفصال الجنوب واستكمال استقلال شعبه، فإذا تجاوز بعد ذلك أي أجنبي في دولة الجنوب يمكن أن تتخذ ضده الإجراءات القانونية لكن لا يمكن أن يكون التعامل بسفك الدماء حتى ولو كان الأجانب متورطون في عمل إجرامي، لكن هؤلاء تجار سودانيين تعرضوا لنهب مسلح قام به جيش دولة في عاصمتها سفير سوداني وبعثة دبلوماسية سودانية، والغريب العجيب أن في نفس اليوم الذي تعرّض فيه التجار السودانيون للذبح والنهب المسلح من جيش دولة جنوب السودان كانت بعض الصحف تتأهب لنشر تصريح للأستاذ الجامعي المعروف الدكتور حسن مكي يقول إنه متفائل بعودة جنوب السودان إلى الدولة السودانية بعد أن أصبح دولة مستقلة. لقد أصبح جنوب السودان دولة مستقلة بنسبة مئوية تكون كاملة فحتى معظم الجنوبيين المسلمين صوتوا لصالح الانفصال، فنسبتهم في الجنوب لا تقل عن عشرين بالمائة إذا لم تزد، رغم هذا كانت نسبة الانفصال كاملة تقريبًا «أكثر من ثمانية وتسعين بالمائة».. واستمر ذبح «الشماليين» بواسطة جيش الدولة الجديدة، إن حسن مكي قال مع ذلك إن المفاوض الجنوبي أبرع من المفاوض الشمالي والسؤال هنا: هل فاوض ويفاوض المفاوض الجنوبي بفكرته وإرادته أم أن وراءه قوى أجنبية بروتستانتية يهودية هي التي تبرمجه لصالحها وعلى حساب مصلحة الشعب الجنوبي حينما يجلس للتفاوض؟!. لقد عقد حسن مكي المقارنة دون أن يضع في اعتباره برمجة القوى الأجنبية للعقلية الجنوبية، فمن دعم التمرد أول الأمر؟ ومن حماه من المساءلات القانونية الدولية؟!. وإذا تفاءلنا بأن يعود «الجنوب» إذن تفاءلنا بعودة المآسي التي يعرفها كل الناس، يا دكتور حسن لقد انفصل الجنوب وكفى الله المؤمنين بعد ذلك جزءًا كبيرًا من القتال، فلماذا التفاؤل غير الحميد بعودة ما من شأنه أن يجر وراءه ما هو غير حميد؟ إن ذبح التجار السودانيين يجب أن يحذرنا عن فتح الطريق للعودة على الأقل على مدى قرن من الزمان فحتى القوى الأجنبية لا تريد الجنوب شعبًا وإنما تريده أرضًا ونيلاً وموارد تحت الأرض فإسرائيل التي تهتم به قد قذفت اللاجئين الجنوبيين بالزجاجات الحارقة واعتبرت أن وجودهم فيها مُضر بحياة اليهود، إن الجنوب في نظر الخرطوم شعب عظيم رغم المآسي الموثقة، الجنوب في نظر المؤتمر الوطني هو عبد الله دينق نيال وموسى المك كور ودكتور يوناس بول وعلي تميم فرتاك وأبو بكر دينق وعبد الله شول والشهيرة مريم برنجي لكن «الجنوب» في نظر القوات الأجنبية منهبة موارد. أرض فقط بل شعب يستحق الحياة، أيها الجنوبيون قوا أنفسكم التآمر الأجنبي.